في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

وعقب عليها كذلك بإيحاء جديد وظل جديد :

فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب . ومن الليل فسبحه وأدبار السجود . .

وطلوع الشمس وغروبها ومشهد الليل الذي يعقب الغروب . . كلها ظواهر مرتبطة بالسماوات والأرض . وهو يربط إليها التسبيح والحمد والسجود . ويتحدث في ظلالها عن الصبر على ما يقولون من إنكار للبعث وجحود بقدرة الله على الإحياء والإعادة . فإذا جو جديد يحيط بتلك اللمسة المكررة . جو الصبر والحمد والتسبيح والسجود . موصولا كل ذلك بصفحة الكون وظواهر الوجود ، تثور في الحس كلما نظر إلى السماوات والأرض ؛ وكلما رأى مطلع الشمس ، أو مقدم الليل ؛ وكلما سجد لله في شروق أو غروب . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

المفردات :

أدبار السجود : أعقاب الصلوات ، واحدها : دبر ( بضم فسكون ، أو بضمتين ) .

36

المفردات :

سبح بحمد ربك : نزهه عن كل نقص ، وأكثر من حمده وشكره .

التفسير :

39 ، 40- { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } .

فاصبر على ما يقولون المشركون من الكفر ، أو إنكار البعث ، وانشغل عنهم بمناجاة الله ، والتسبيح بحمد الله ، خصوصا في أوقات تظهر فيها عظمته وجلاله ، قبل طلوع الشمس حين ينتهي الليل ، ويأتي نور النهار رويدا رويدا ، وكذلك قبل الغروب حين تكون الشمس على سعف النخيل ، حين يتغير لونها إلى الصفرة والحمرة ، وترسل خيوطها الذهبية ، تودع هذه الدنيا ، وتظهر جلال القدرة التي خلقت هذا الكون ، وتطلب من صاحب الفطرة السليمة أن يقول : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، فما أجل الروعة قل الشروق وقبل الغروب .

وقد كان أهل سبأ يسجدون للشمس من دون الله ، وعلى لسان الهدهد يقول القرآن الكريم :

{ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ( 24 ) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ( 25 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 26 ) } . ( النمل : 24- 26 ) .

ويقول سبحانه وتعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } . ( فصلت : 37 ) .

وكذلك أمرنا الله أن نسجد له سبحانه في أوقات متعددة من الليل ، عندما نرى الظلام الدامس ، والنجوم توصوص من بعيد ، ولسان الحال يرشد أن الله ما سكن وما تحرك في الليل والنهار .

والمراد : اذكر الله في أوقات متعددة بالنهار والليل ، حين يتحرك القلب وتهتز النفس برؤية مظاهر القدرة والعظمة في الصباح والمساء ، وأثناء الليل أو في وقت السحر والهزيع الأخير من الليل .

قال تعالى : { والمستغفرين بالأسحار } . ( آل عمران : 17 ) .

وقال سبحانه : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } . ( الروم : 17 ، 18 ) .

وقال ابن عباس :

المراد بالتسبيح والتحميد قبل طلوع الشمس : صلاة الفجر ، وقبل الغروب : الظهر والعصر ، ومن الليل : المغرب والعشاء ، وأدبار السجود : النوافل بعد الفرائض ، أو التسبيح بعد الصلاة .

وروى البخاري ، عن ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسبح في أدبار الصلوات كلها14 ، يعني قوله : { وأدبار السجود } .

وروى البخاري ، ومسلم ، عن أبي هريرة أنه قال : جاء فقراء المهاجرين فقالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، فقال : ( وما ذاك ) ؟ قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أفلا أعلمكم شيئا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ) . ففعلوا ذلك ، ثم عمل الأغنياء مثل عملهم ، فقالوا : يا رسول الله ، سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )15 .

وشبيه بهذه الآية قوله تعالى : { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } . ( طه : 130 ) .

ومن العلماء من رأى أن المراد من الآيتين : صلاة العصر ، وصلاة الفجر ، وصلاة السحر ، حيث ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الفجر ، اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا }16 . ( الإسراء : 78 ) .

ورأى بعضهم أن المراد من الصلاة الوسطى صلاة العصر حيث أقسم الله بالعصر فقال : { والعصر } . ( العصر : 1 ) .

وقال تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } . ( البقرة : 238 ) .

وفي مصحف ابن مسعود زيادة تفسيرية هكذا : ( والصلاة الوسطى – صلاة العصر ) .

والمتتبع لطريقة القرآن الكريم في تثبيت العقيدة ، يلحظ أنه كثيرا ما يلفت الأنظار إلى مظاهر الكون في خلق السماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، وأقسم الله تعالى بهذه المظاهر الكونية ليرشدنا إلى ما فيها من دلالة على عظمة الله .

قال سبحانه : { كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } . ( المدثر : 32-37 ) .

وقال عز شأنه :

{ فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } . ( الواقعة : 75 ، 76 ) .

وانظر إلى قسمه سبحانه وتعالى بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض والنفس ، ولم يجتمع أكثر من القسم بخمسة أشياء إلا في صدر سورة الشمس حيث يقول سبحانه وتعالى : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ( 1 ) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ( 2 ) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ( 3 ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ( 4 ) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ( 5 ) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ( 6 ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( 7 ) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( 8 ) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( 9 ) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ( 10 ) } . ( الشمس : 1-10 ) .

وقال تعالى : { فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقا عن طبق } . ( الانشقاق : 16-19 ) .

ومن وراء ما نراه ونبصره عوالم كثيرة ، ومخلوقات متعددة ، علمها عند علام الغيوب .

قال تعالى : { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم } . ( الحاقة : 38-40 ) .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

{ وأبار السجود } أي وسبحه أعقاب الصلوات ، وهو ما ورد في حديث ( من سبح لله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وحمد الله ثلاثا وثلاثين ، وكبر الله ثلاثا وثلاثين ؛ فذلك تسعة وتسعون ، وتمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) . وقيل التسبيح " أدبار السجود " : النوافل بعد المكتوبات .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

{ ومن الليل فسبحه } أي صلاتي العشاء { وأدبار السجود } أي الركعتين بعد المغرب

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

39

{ وأدبار السجود } قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما : الركعتين بعد المغرب وقال ابن عباس : هي النوافل بعد الفرائض ، وقيل : الوتر .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

ولما ذكر ما هو أدل على الحب في المعبود لأنه وقت الانتشار إلى{[61258]} الأمور الضرورية التي بها القوام والرجوع لقصد الراحة الجسدية بالأكل والشرب واللعب والاجتماع بعد الانتشار والانضمام مع ما في الوقتين من الدلالة الظاهرة على طي الخلق ثم نشرهم ، أتبعه ما يكون وقت السكون المراد به الراحة بلذيذ الاضطجاع والمنام فقال : { ومن الليل } أي في بعض أقواته { فسبحه } بصلاتي المغرب والعشاء وقيام الليل لأن الليل وقت الخلوات وهي ألذ المناجاة .

ولما ذكر الفرائض التي لا مندوحة عنها على وجه يشمل النوافل من الصلاة وغيرها ، أتبعها النوافل المقيدة بها فقال : { وأدبار السجود * } أي الذي هو أكل بابه وهو صلاة الفرض بما يصلى بعدها من الرواتب والتسبيح بالقول أيضاً ، قال الرازي : واعلم أن ثواب الكلمات بقدرة صدورها عن جنان المعرفة والحكمة وأن تكون عين قلبه تدور {[61259]}دوران لسانه{[61260]} ويلاحظ حقائقها ومعانيها ، فالتسبيح تنزيه من كل ما يتصور في الوهم أو يرتسم في الخيال أو ينطبع في الحواس أو{[61261]} يدور في الهواجس ، والحمد يكشف عن المنة وصنع الصنائع وأنه المتفرد بالنعم . انتهى . ومعناه أن هذا الحمد هو الحقيقة ، فإذا انطبقت في الجنان قامت باللسان ، وتصورت بالأركان ، وحمل على الصلاة لأنها أفضل العبادات ، وهي جامعة بما فيها من الأقوال والأفعال لوجهي الذكر : التنزيه والتحميد ، وهاتان الصلاتان المصدر بهما أفضل الصلوات فهما أعظم ما وقع التسبيح بالحمد ، والمعنى . والله أعلم . أن الاشتغال استمطار من المحمود المسبح للنصر على المكذبين ، وأن الصلاة أعظم ترياق للنصر وإزالة الهم ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .


[61258]:من مد، وفي الأصل: في.
[61259]:من مد، وفي الأصل: بدوران الإنسان.
[61260]:من مد، وفي الأصل: بدوران الإنسان.
[61261]:من مد، وفي الأصل: أي.