فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

{ فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب( 39 )ومن الليل فسبحه وإدبار السجود( 40 )واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب( 41 )يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج( 42 )إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير( 43 )يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير( 44 ) } .

أمر للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بالإعراض عن الجاهلين ولغوهم ، وألا نضيق بجحودهم وارتيابهم- فإن من قدر على خلق العالم في تلك المدة اليسيرة بلا إعياء قادر على بعثهم والانتقام منهم- ونزّه ربك شاكرا له أنعمه ، وقدّسه ناهضا بالسجود والركوع والصلاة له قبل طلوع الشمس [ صبحا ] وقبل غروبها[ عصرا ] وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء اثنتين : قبل طلوع الشمس في وقت الفجر ، وقبل الغروب في وقت العصر ، وقيام الليل كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولا ثم نسخ في حق الأمة وجوبه ، ثم بعد ذلك نسخ الله ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات ، ولكن منهن صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ؛ وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع . . . . عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : ( أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) ثم قرأ : { . . وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة من حديث إسماعيل به ؛ وقوله تعالى : { ومن الليل فسبحه } أي فصلِّ له ، لقوله : { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا }{[5337]} { . . وإدبار السجود } قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما : هو التسبيح بعد الصلاة ، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء فقراء المهاجرين فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( أفلا فعلتم شيئا إذا فعلتم تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ) قال : فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ){[5338]} . واستمع لما يوحى من أهوال يوم القيامة ، يوم ينادي المنادي ، يوم النفخة الثانية في الصور ، فيخرج من في القبور ، للحشر والنشور ، ينادَوْن من قريب فلا يخفى النداء على أحد ، يناديهم المولى فيلبّون النداء : { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا }{[5339]} ذلك يوم البعث ؛ إنا نحن نحيي ونميت في الدنيا من غير أن يشاركنا في ذلك أحد { . . وإلينا المصير } المرجع للجزاء في الآخرة إلينا لا إلى غيرنا- لا استقلالا ولا اشتركا-{[5340]} يوم يخرجون من الأجداث مسرعين يساقون إلى العرض على مالك يوم الدين ، لا يغيب منهم أحد ، ولن يجدوا لهم من دونه موئلا ؛ وذلك السوْق والجمع والنشور والحشر يسير علينا هين { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . . }{[5341]} { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا . لقد أحصاهم وعدهم عدا . وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }{[5342]} { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون }{[5343]} .


[5337]:سورة الإسراء الآية: 79
[5338]:سورة الإسراء. الآية 79.
[5339]:سورة الإسراء. الآية 52.
[5340]:ما بين العارضتين أورده ابن كثير، وأورد رأيا ثانيا عن ابن عباس: ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم، وركعتين بعد المغرب أدبار السجود.
[5341]:مقتبس من روح المعاني.
[5342]:سورة لقمان. من الآية 28.
[5343]:سورة مريم. الآيات: 95،94،93.