قوله تعالى : { فاصبر على مَا يَقُولُونَ } من كَذِبِهِمْ ، وقولهم بِالاسْتِرَاحَةِ ، أو على قولهم : إن هذا لشيء عَجِيبٌ . وهذا قبل الأمر بقتالهم .
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } قيل : هذا أَمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة كقوله تعالى : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل } [ هود : 114 ] وقوله { قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب } إشارة إلى طرفي النهار ، وقوله : { وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ } إشارة إلى { زُلَفاً مِّنَ الليل }{[52583]} .
وتقريره أنه - عليه الصلاة والسلام - كان مشتغلاً بأمرين :
والثاني : هداية الخلق ، فإذا لم يهتدوا قيل له : أقبل على شغلك الآخر وهو العبادة .
وقيل : معنى سَبِّحْ بحمد ربك ، أي نَزِّههُ عما يقولون ولا تَسْأَمْ من تذكيرهم بعَظَمَةِ الله ، بل نَزِّهه عن الشرك والعجز عن الممكن وهو الحشر قبل الطلوع وقبل الغروب ؛ فإنهما وقت اجتماعهم ويكون المراد بقوله : { وَمِنَ اللّيل فَسَبِّحْهُ } أوله ، لأنه أيضاً وقت اجتماعهم .
وقيل : المعنى : قُلْ سُبْحَان الله ، لأن ألفاظاً جاءت بمعنى التلفظ بكلامهم كقولهم : كَبَّر لمن قال : اللَّهُ أَكْبَرُ وسلَّم لمن قال : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، وحمَّد لمن قال : الْحَمْدُ لله . وهلَّك لمن قال : لاَ إله إلاَّ الله ، وسبَّح لمن قال : سُبْحَان الله ، وذلك أن هذه أمورٌ تَتَكَرَّر من الإنسان في الكلام ، [ فدعت ]{[52584]} الحاجة إلى استعمال لفظة واحدة مفيدة للكلام وقالوا : هلل بخلاف قَوْلِهِمْ : زَيْدٌ فِي السُّوقِ ، فإنَّ من قال : زيد في السوق وأراد أن يخبر عنه بذلك لا يجد لفظاً واحداً مفيداً لذلك لعدم تكرره .
ومناسبة هذا الوجه : هو{[52585]} أن تكذيبهم وإنكارهم يقتضي مقابلتهم باللَّعْنِ ، فقيل له : اصْبِرْ عَلَيْهِمْ ، واجعل بدل الدعاء عليهم التسبيح لله ، والحمد لله ، { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت } أو كنوحٍ - عليهما الصلاة والسلام - حيث قال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] .
وقد استعمل التسبيح مع الباء ومع اللام وبدونهما . فإن قلنا : المراد بالتسبيح الصلاة فيحتمل أن يكون المراد بحمد ربك : الأمر بقراءة الفاتحة ، كقولك : صَلَّى فلانٌ بسورة كذا . وهذا بعيدٌ .
وإن قلنا المراد : قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ ، فالباء للمصاحبة . وكذلك إن قلنا : معناه التَّنْزِيهُ أي نَزِّهْهُ واحمَدْهُ حيث وَفَّقَكَ لتسبيحه فيكون المفعول محذوفاً ، للعلم به ، أي نزه الله بحمد ربك ، أي ملتبساً أو مقترناً بحمد ربك{[52586]} .
وأما اللام فإمّا أن يكون من باب شَكَرَ ونَصَحَ{[52587]} ، وإما أن يكون معناها خالصاً لله{[52588]} .
وأما تعدّيه بنفسه فهو الأصل . وأعاد الأمر للتسبيح ، إما تأكيداً وإما أن يكون الأول بمعنى الصلاة ، والثاني بمعنى التَّسْبِيح والذكر . ودخلت الفاء ؛ لأن المعنى : وأمَّا من الليل فسبحه{[52589]} .
ولما ذكر أوقات الصلوات ذكر أدْبَار السُّجود ؛ ليَعُمَّ الأوقات فيكون كقوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فانصب } [ الشرح : 7 ] و«من » إما لابتداء الغاية ، أو{[52590]} مِنْ أوَّل الليل ، وإمَّا للتبعيضِ{[52591]} .
قال المفسرون : قبل طلوع الشمس يعني صلاة الصبح ، وقبل الغروب يعني العصر ، وروي عن ابن عباس : قبل الغروب الظهر والعصر { وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ } يعني صلاة المغرب ، والعِشَاءِ . وقال مجاهد : ومِنَ الليل يَعْنِي صلاة الليل ، أيّ وقت صلى{[52592]} .
قوله : «وأدبار السجود » قرأ نافع وابن كثير ، وحمزة : إدبار بكسر الهمزة{[52593]} ، على أنه مصدر قَامَ مَقَام ظَرْف الزمَان كقولهم : آتِيكَ خُفُوقَ النّجم وخِلاَفَة الحجّاج . ومعنى وقت إدبار الصلاة أي انتصابها وتمامها{[52594]} . والباقون{[52595]} بالفتح جمع ( دُبُر ){[52596]} وهو آخر الصلاة وعقبها . ومنه قول أوس :
عَلَى دُبُر الشَّهْرِ الْحَرَام فَأَرْضُنَا *** وَمَا حَوْلَهَا جَدْبٌ سِنُونَ تَلَمَّعُ{[52597]}
ولم يختلفوا في : { وَإِدْبَارَ النجوم } [ الطور : 49 ] .
وقوله : «وأدبار » معطوف إمّا على «قَبْلَ الْغُرُوبِ » وإمّا على «وَمِنَ اللَّيْلِ » .
قال عمرُ بن الخطاب ، وعليُّ بن أبي طالب ، والحسنُ ، والشعبيُّ ، والنخعيُّ والأوزاعي : أدبار السجود الركعتان قبل صلاة الفجر ، وهي رواية العَوْفي عن ابن عباس . وروي عنه مرفوعاً . وهذا قول أكثر المفسرين . وقال مجاهد : أدبار السجود هو التسبيح باللِّسان في أدبار الصلوات المكتوبات ، قال - عليه الصلاة والسلام - : «مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُر كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وثلاثين وَكَبَّرَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ وَحَمَّدَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ » فَذَلك تِسْعَةٌ وتسعُونَ ثم قال : «تَمَام المِائَةِ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ له الْمُلْكُ وَلهُ الْحَمْدُ يُحيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ »{[52598]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.