( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) . .
فلا تعرض لهم فرصة يتمكنون فيها من المسلمين حتى يتصرفوا معهم تصرف العدو الأصيل . ويوقعوا بهم ما يملكون من أذى ومن تنكيل بالأيدي وبالألسنة وبكل وسيلة وكل سبيل .
والأدهى من هذا كله والأشد والأنكى :
وهذه عند المؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان . فالذي يود له أن يخسر هذا الكنز العزيز . كنز الإيمان . ويرتد إلى الكفر ، هو أعدى من كل عدو يؤذيه باليد وباللسان !
والذي يذوق حلاوة الإيمان بعد الكفر ، ويهتدي بنوره بعد الضلال ، ويعيش عيشة المؤمن بتصوراته ومداركه ومشاعره واستقامة طريقه وطمأنينة قلبه يكره العودة إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار . أو أشد . فعدو الله هو الذي يود أن يرجعه إلى جحيم الكفر وقد خرج منه إلى جنة الإيمان ، وإلى فراغ الكفر الخاوي بعد عالم الإيمان المعمور .
لهذا يتدرج القرآن في تهييج قلوب المؤمنين ضد أعدائه وأعدائهم حتى يصل إلى قمته بقوله لهم عنهم : ( وودوا لو تكفرون ) . .
إن يثقفوكم : يظفروا بكم ويتمكنوا منكم .
يبسطوا إليكم أيديهم : بالقتل والضرب والمساءة .
بالسوء : بما يسوءكم بالسبّ والشتم .
وودّوا لو تكفرون : تمنوا كفركم .
2- { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } .
إن يظهروا عليكم ، أو ينتصروا عليكم ، أو يلقوكم قادرين عليكم ، متمكنين من أذاكم ، تظهر لكم عداوتهم ، ويحاولوا النيل منكم والاعتداء عليكم بأيديهم مقاتلين لكم ، وبألسنتهم بالسبّ والشتم ، والسوء والأذى ، ويتمنوا أن تعودوا كفارا مثلهم .
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء . . . }( النساء : 89 ) .
{ إن يثقفوكم } : أي أن يظفروا بكم متمكنين منكم من مكانٍ ما .
{ يكونوا لكم أعداء } : أي لا يعترفون لكم بمودة .
{ ويبسطوا إليكم أيديهم } : أي بالضرب والقتل .
{ وألسنتهم بالسوء } : أي بالسب والشتم .
{ وودوا لو تكفرون } : أي وأحبوا لو تكفرون بدينكم ونبيكم وتعودون إلى الشرك معهم .
وقوله تعالى : { إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ودوا لو تكفرون } أي أنهم أعداؤكم حقاً إن يثقفوكم أو يظفروا بكم متمكنين منكم يكونوا لكم أعداء ولا يبالون بمودتكم إياهم ، ويبسطوا إليكم أيدهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالسب والشتم وتمنوا كفركم لتعودوا إلى الشرك مثلهم .
- بيان أن الكافرين لا يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم لأن قلوبهم عمياء لا يعرفون معروفاً ولا منكراً بظلمة الكفر في نفوسهم وعدم مراقبة الله عز وجل لأنهم لا يعرفونه ولا يؤمنون بما عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة .
ثم بين تعالى شدة عداوتهم ، تهييجا للمؤمنين على عداوتهم ، { إِنْ يَثْقَفُوكُمْ } أي : يجدوكم ، وتسنح لهم الفرصة في أذاكم ، { يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً } ظاهرين ، { وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } بالقتل والضرب ، ونحو ذلك .
{ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ } أي : بالقول الذي يسوء ، من شتم وغيره ، { وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } فإن هذا غاية ما يريدون منكم .
قوله تعالى : { إن يثقفوكم } يلقوكم ويصادفوكم ، ومنه المثاقفة ، أي طلب مصادفة الغرة في المسايفة وشبهها . وقيل : { يثقفوكم } يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ، { يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء } أي أيديهم بالضرب والقتل ، وألسنتهم بالشتم . { وودوا لو تكفرون } بمحمد ، فلا تناصحوهم فإنهم لا يناصحونكم .
ولما كان ما بينه تعالى من إخراجهم لهم موضحاً بعداوتهم وكان{[64446]} طول كفهم عن قصدهم بالأذى من سنة الأحزاب سنة خمس إلى سنة ثمان ربما شكك في أمرها ، وكان سبحانه قد أعز المؤمنين بعد ذلهم وقواهم بعد وهنهم وضعفهم ، وثقفهم{[64447]} بعد جهلهم ، بين ظلال معتقد ذلك بأن كف الكفار إنما هو لعجزهم وأنهم{[64448]} لو حصل لهم ما هو للمسلمين الآن من القوة لبادروا إلى إظهار العداوة مع أن ذلك في نصر الشيطان ، فأولياء الرحمان أولى باتباع ما آتاهم من الإيمان ، فقال مبيناً لبقاء عداوتهم : { إن يثقفوكم } أي يجدوكم في وقت من الأوقات و{[64449]}مكان من الأماكن وهم يطمعون في أخذكم بكونهم أقوى منكم أو أعرف بشيء مما{[64450]} يتوصل به إلى الغلبة ، وأشار بأداة الشك إلى أن وجدانهم وهم على صفة الثقافة مما لا تحقق له ، وإنما هو على سبيل الفرض والتقدير ، وأنه إنما علم سبحانه أنه لو كان كيف كان يكون ، مع أنه مما لا يكون ، ونبه على عراقتهم في العداوة بالتعبير بالكون فقال : { يكونوا لكم } أي خاصة { أعداء } أي يعدون إلى{[64451]} أذاكم كل عدو يمكنهم وإن واددتموهم . ولما{[64452]} كانت العداوة قد تكون{[64453]} بإغراء الغير ، عرف أنهم لشدة غيظهم لا يقتصرون{[64454]} على ذلك فقال : { ويبسطوا إليكم } أي خاصة وإن كان هناك في ذلك الوقت من غيركم من{[64455]} قتل أعز الناس إليهم { أيديهم } أي بالضرب إن استطاعوا { وألسنتهم } أي بالشتم مضمومة إلى فعل أيديهم فعل من ضاق صدره بما نجرع من آخر من غيركم من القصص حتى أوجب له غاية السعة { بالسوء } أي بكل ما من شأنه أن يسوء .
ولما كان أعدى الأعداء لك{[64456]} من تمنى أن يفوتك أعز الأشياء لديك ، وكان أعز الأشياء عند كل أحد دينه ، قال متمماً للبيان : { وودوا } أي وقعت منهم هذه الودادة قبل هذا{[64457]} لأن مصيبة الدين أعظم فهم إليها أسرع لأن دأب العدو القصد إلى أعظم{[64458]} ضرر يراه لعدوه ، وعبر بما يفهم التمني{[64459]} الذي يكون في المحالات ليكون المعنى أنهم أحبوا ذلك غاية الحب وتمنوه ، وفيه بشرى بأنه من قبيل المحال { لو تكفرون * } أي يقع منكم الكفر الموجب للهلاك الدائم ، و{[64460]}قدم الأول لأنه أبين في العداوة وإن كان الثاني أنكأ .