الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ} (2)

{ إِن يَثْقَفُوكُمْ } إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ، { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً } خالصي العداوة ، ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم ، { وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء } بالقتال والشتم ، وتمنوا لو ترتدّون عن دينكم ، فإذن مودة أمثالهم ومناصحتهم خطأ عظيم منكم ومغالطة لأنفسكم ونحوه قوله تعالى : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [ آل عمران : 118 ]

فإن قلت : كيف أورد جواب الشرط مضارعاً مثله ثم قال :{ وَوَدُّواْ } بلفظ الماضي ؟ قلت : الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب ، فإن فيه نكتة ، كأنه قيل : وودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم ، يعني : أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضارّ الدنيا والدين جميعاً : من قتل الأنفس ، وتمزيق الأعراض ، وردّكم كفاراً أسبق المضارّ عندهم وأوّلها ؛ لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم ، لأنكم بذَّالون لها دونه ، والعدوّ أهم شيء عنده أن يقصد أعز شيء عند صاحبه .