اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ} (2)

قوله : { إِن يَثْقَفُوكُمْ } يلقونكم ويصادفونكم ، ومنه المثاقفة ، أي : طلب مصادفة [ الغرة ]{[56184]} في المسايفة وشبهها .

وقيل : «يثقفوكم » : يظفروا بكم ويتمكنوا منكم { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاءً ويبسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء } أي : بالضَّرب والشَّتم{[56185]} .

قوله : { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } .

في «ودوا » وجهان{[56186]} :

أحدهما : أنه معطوفٌ على جواب الشرط ، وهو قوله : «يَكُونُوا » و «يَبْسطُوا » قاله الزمخشري{[56187]} .

ثم رتب عليه سؤالاً وجواباً ، فقال : «فإن قلت : كيف أورد جواب الشَّرط مضارعاً مثله ، ثم قال : " ودوا " بلفظ الماضي ؟ .

قلت : الماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع في علم الإعراب ، فإن فيه نكتة ، كأنه قيل : ودوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم ، يعني أنهم يريدون أن يلحقوا مضار الدنيا والآخرة جميعاً » .

والثاني : أنه معطوف على جملة الشَّرط والجزاء ، ويكون تعالى قد أخبر بخبرين بما تضمنته الجملة الشرطية ، وموادتهم كفر المؤمنين .

ورجح أبو حيان هذا ، وأسقط به سؤال الزمخشري وجوابه ، فقال{[56188]} : «وكأن الزمخشري فهم من قوله : " ووَدُّوا " أنه معطوف على جواب الشرط ، والذي يظهر أنه ليس معطوفاً عليه ؛ لأن ودادتهم كفرهم ليست مرتبة على الظفر بهم والتسليط عليهم ، بل هم وادُّون كفرهم على كل حال سواء ظفروا بهم أم لم يظفروا » انتهى .

قال شهاب الدين{[56189]} : «والظَّاهر أنه عطف على الجواب ، وقوله : هم وادُّون ذلك مطلقاً مسلم ، لكن ودَادَتَهُم له عند الظَّفر والتسليط{[56190]} أقرب وأطمع لهم فيهم » .

وقوله : { لَوْ تَكْفُرُونَ } يجوز أن يكون لما سيقع لوقوع ، وأن تكون المصدرية عند من يرى ذلك ، وتقدم تحريرهما في البقرة .

فصل في معنى الآية :

والمعنى{[56191]} : ودوا لو تكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا تناصحوهم ، فإنهم لا يناصحونكم .


[56184]:في أ: العشيرة.
[56185]:ينظر: القرطبي 18/37.
[56186]:ينظر: الدر المصون 6/303.
[56187]:ينظر: الكشاف 4/513.
[56188]:ينظر: البحر المحيط 8/251، والدر المصون 6/303.
[56189]:الدر المصون 6/303.
[56190]:زاد في أ بعد هذه الكلمة: عليهم، بل هم موادون كفرهم.
[56191]:ينظر: القرطبي 18/37.