فهو يبدل الدعوة بالدعوة في تعبيره في الآية التالية :
( تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم . وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ) . .
وشتان بين دعوة ودعوة . إن دعوته لهم واضحة مستقيمة . إنه يدعوهم إلى العزيز الغفار . يدعوهم إلى إله واحد تشهد آثاره في الوجود بوحدانيته ، وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره . يدعوهم إليه ليغفر لهم وهو القادر على أن يغفر ، الذي تفضل بالغفران : ( العزيز الغفار ) . . فإلى أي شيء يدعونه ? يدعونه للكفر بالله . عن طريق إشراك ما لا علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز !
ما ليس لي به علم : ما لم يقم على ربوبيته دليل ولا برهان .
42- { تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار } .
تدعونني لأنكر وحدانية الله ، وأشرك به آلهة أخرى باطلة زائفة لم يقم دليل على ألوهيتها ، ولا علم لي من وجه صحيح على أهمية هذه الآلهة ، فهي لم تخلق هذا الكون ، ولم توجد السماء أو الأرض ، أو الليل أو النهار ، أو الشمس أو القمر .
بينما أنا أدعوكم إلى العزيز الغالب ، القاهر الخالق ، الذي يقهر المبطلين الظالمين ، وهو سبحانه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى .
ولما أخبر بقلة إنصافهم إجمالاً ، بينه بقوله : { تدعونني } أي توقعون دعائي إلى معبوداتكم { لأكفر } أي لأجل أن أكفر { بالله } أي أستر ما يجب إظهاره بسبب الذي أناله لأن له كل شيء وله مجامع القهر والعز والعظمة والكبر { وأشرك } أي أوقع الشرك { به } أي أجعل له شريكاً . ولما كان كل ما عداه سبحانه ليس له من ذاته إلا العدم ، أشار إلى حقارته بالتعبير بأداة ما لا يعقل فقال : { ما ليس لي به علم } أي نوع من العلم بصلاحيته لشيء من الشركة ، فهو دعاء إلى الكذب في شيء لا يحل الإقدام عليه إلا بالدليل القطعي الذي لا يحتمل نوعاً من الشرك ، وإذا لم يكن به علم لم يكن له عزة ولا مغفرة ، فلم يكن له وجود لأن الملك لازم الإلهية وهو أشهر الأشياء ، فما ادعى له أشهر الأشياء ، فكان بحيث لا يعرف بوجه من الوجوه ، كان عدماً محضاً .
ولما بين أنهم دعوه إلى ما هو عدم فضلاً عن أن يكون له نفع أو ضر في جملة فعليه إشارة إلى بطلان دعوتهم وعدم ثبوتها ، بين لهم أنه ما دعاهم إلا إلى ما له الكمال كله ، ولا نفع ولا ضر إلا بيده ، فقال مشيراً بالجملة الاسمية إلى ثبوت دعوته وقوتها : { وأنا ادعوكم } أي أوقع دعاءكم الآن وقبله وبعده { إلى العزيز } أي البالغ العزة الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء . ولما وصفه بهذا الوصف ترهيباً ، صح قطعاً وصفه ترغيباً بقوله : { الغفار * } أي الذي يتكرر له دائماً محو الذنب عيناً وأثراً ولا يقدر على ذلك غير من هو بصفة العزة ، ومن صح وصفه بهذين الوصفين فهو الذي لا يجهل ما عليه ، من صفات الكمال أحد ، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً عدم العلم دليلاً على العلم ثانياً ، وثانياً العزة والمغفرة دليلاً على حذفهما أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.