( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها . وقالت : عجوز عقيم ) . . وقد سمعت البشرى ، فبغتت وفوجئت ، فندت منها صيحة الدهش ، وعلى عادة النساء ضربت خديها بكفيها . وقالت : عجوز عقيم . تنبئ عن دهشتها لهذه البشرى وهي عجوز . وقد كانت من الأصل عقيما . وقد أخذتها المفاجأة العنيفة التي لم تكن تتوقعها أبدا ، فنسيت أن البشرى تحملها الملائكة ! عندئذ ردها المرسلون إلى الحقيقة الأولى . حقيقة القدرة التي لا يقيدها
امرأته : هي سارة ، لما سمعت بشارتهم له .
فصكت وجهها : ضربت يدها على جبهتها ، أو ضحكت ، وقالت : يا ويلتاه .
عجوز عقيم : أنا كبيرة السن لا ألد .
29- { فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم } .
كانت سارة في ناحية من البيت ، فسمعت بشارة الملائكة بغلام عليم ، فأقبلت وهي تصرخ صرخة عظيمة ، وضربت بيديها على جبهتها -على عادة النساء إذا سمعن أمرا عجيبا- وقالت : أنا عجوز عاقر ، فكيف ألد ؟
وجاء في آية أخرى : { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ( 72 ) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ( 73 ) } . ( هود : 72 ، 73 ) .
فلما سمعت المرأة البشارة { أقبلت } فرحة مستبشرة { فِي صَرَّةٍ } أي : صيحة { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } وهذا من جنس ما يجري من لنساء عند السرور [ ونحوه ] من الأقوال والأفعال المخالفة للطبيعة والعادة ، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي : أنى لي الولد ، وأنا عجوز ، قد بلغت من السن ، ما لا تلد معه النساء ، ومع ذلك ، فأنا عقيم ، غير صالح رحمي للولادة أصلاً ، فثم مانعان ، كل منهما مانع من الولد ، وقد ذكرت المانع الثالث في سورة هود بقولها : { وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }
قوله تعالى : { فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليهم فأقبلت امرأته في صرة } أي : صيحة ، قيل : لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني أخذ بمعنى أخذ في شتمي ، أي أخذت تولول كما قال الله تعالى : { قالت يا ويلتى }( هود-72 ) ، { فصكت وجهها } قال ابن عباس : لطمت وجهها . وقال الآخرون : جمعت أصابعها فضرت جبينها تعجباً ، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً ، وأصل الصك : ضرب الشيء بالشيء العريض . { وقالت عجوز عقيم } مجازه : أتلد عجوز عقيم ؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك .
قوله تعالى : " فأقبلت امرأته في صرة " أي في صيحة وضجة ، عن ابن عباس وغيره . ومنه أخذ صرير الباب وهو صوته . وقال عكرمة وقتادة : إنها الرنة والتأوه ولم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان . قال الفراء : وإنما هو كقولك أقبل يشتمني أي أخذ في شتمي . وقيل : أقبلت في صرة أي في جماعة من النساء{[14235]} تسمع كلام الملائكة . قال الجوهري : الصرة الضجة والصيحة ، والصرة الجماعة ، والصرة الشدة من كرب وغيره ، قال امرؤ القيس :
فَأَلْحَقَه بالهَادِيات ودونَه *** جَوَاحِرُها في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ{[14236]}
يحتمل هذا البيت الوجوه الثلاثة . وصرة القيظ شدة حره . فلما سمعت سارة البشارة صكت وجهها ، أي ضربت يدها على وجهها على عادة النسوان عند التعجب ، قاله سفيان الثوري وغيره . وقال ابن عباس : صكت وجهها لطمته . وأصل الصك الضرب ، صكه أي ضربه ، قال الراجز{[14237]} :
يا كَرَواناً صُكَّ فاكْبَأَنَّا
قال الأموي : كَبَن الظبي إذا لطأ بالأرض ، واكبأن انقبض . " وقالت عجوز عقيم " أي أتلد عجوز عقيم . الزجاج : أي قالت أنا عجوز عقيم فكيف ألد كما قالت : " يا ويلتا أألد وأنا عجوز{[14238]} " [ هود :72 ]