لو تعلمون علم اليقين : المراد : ما ألهاكم ذلك عن الآخرة والعمل لها .
5- كلاّ لو تعلمون علم اليقين .
تكررت كلاّ . ثلاث مرات ، وهي حرف ردع وزجر ، أي : انصرفوا عن الهوى والتفاخر والتكاثر بمال زائل ، لأن الفخر الحقيقي بالمال الذي تنفقونه في سبيل الله فينفعكم .
لو تعلمون علم اليقين . جواب لو . هنا محذوف ، تقديره : لو تعلمون العلم اليقينيّ النافع لازدجرتم واستعددتم للآخرة .
وإنما حذف الجواب لقصد التهويل ، ولتذهب النفس في تصوّره كل مذهب .
كقوله تعالى : ولو ترى إذ وقفوا على النار . . . ( الأنعام : 27 ) .
قال المفسرون : وجواب لو . محذوف لقصد التهويل ، أي : لو عرفتم ذلك لما ألهالكم التكاثر بالدنيا عن طاعة الله ، ولما خدعتم بنعيم الدنيا عن أهوال الآخرة وشدائدها .
كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) . iv .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن تفعلوا ، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس ، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم ، من قبوركم ، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم ، ولسارعتم إلى عبادته ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ورفض الدنيا ، إشفاقا على أنفسكم من عقوبته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يعني بهذا - والله أعلم - إبطال ما كانوا عليه من الظنون والحسبان في هذه الدنيا . ألا ترى إلى قوله تعالى : { ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا } ؟ ( الجاثية : 32 ) فإذا نزل بهم العذاب تحقق عندهم ، وعلموا علما يقينا . فقال بعضهم : { كلا سوف تعلمون } حين نزل بكم الموت { ثم كلا سوف تعلمون } في القبر ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعناه ارتدعوا وانزجروا ، لو تعلمون علم اليقين ، وهو الذي يثلج الصدر بعد اضطراب الشك ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ثم كرّر التنبيه أيضاً وقال : { لَّوْ تَعْلَمُونَ } محذوف الجواب ، يعني : لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين - أي : كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعملها هممكم - لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه ؛ ولكنكم ضلال جهلة . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أي لازدجرتم وبادرتم إنقاذ أنفسكم من الهلكة ، و { اليقين } أعلى مراتب العلم . ...
واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن ، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا، أي لكان كذا ، قال الله تعالى : { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم } ولم يجيء له جواب وقال : { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم }. إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوها؛
( أحدها ) : قال الأخفش : { لو تعلمون علم اليقين } ما ألهاكم التكاثر.
( وثانيها ) : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به.
( وثالثها ) : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم ...
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
وإنما وجد هذا التكاثر وإلهاؤه عما هو أولى بكم لما فقد منكم علم اليقين ، وهو العلم الذي يصل به صاحبه إلى حد الضروريات ، التي لا يشك ولا يمارى في صحتها وثبوتها . ولو وصلت حقيقة هذا العلم إلى القلب وباشرته لما ألهاه عن موجبه ، ولترتب أثره عليه . فإن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه قد لا يكفي في تركه . فإذا صار له علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد . فإذا صار عين يقين ، كجملة المشاهدات ، كان تخلف موجبه عنه أندر شيء .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ كلا } أي ليشتد ارتداعكم عن التكاثر ، فإنه أساس كل بلاء ، فإنكم { لو تعلمون } أيها المتكاثرون . ولما كان العلم قد يطلق على الظن رفع مجازه بقوله : { علم اليقين } ، أي لو يقع لكم علم على وجه اليقين مرة من الدهر لعلمتم ما بين أيديكم ، فلم يلهكم التكاثر ....فحذف هذا الجواب بعد حذف المفعول للتفخيم ، فهو إشارة إلى أنه لا يقين غيره ، والمعنى أن أعمالكم أعمال من لا يتيقنه ....
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
...وقد قدمنا مراتب العلم الثلاث : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين .
وعين اليقين : ما كان عن مشاهدة .
وحق اليقين : ما كان عن ملابسة ومخالطة ، كما يحصل العلم بالكعبة ، وجهتها فهو علم اليقين ، فإذا رآها فهو عين اليقين بوجودها ، فإذا دخلها وكان في جوفها فهو حق اليقين بوجودها . واللَّه تعالى أعلم .
قوله تعالى : { كلا لو تعلمون علم اليقين } أعاد " كلا " ، وهو زجر وتنبيه ؛ لأنه عقب كل واحد بشيء آخر ، كأنه قال : لا تفعلوا ، فإنكم تندمون ، لا تفعلوا ، فإنكم تستوجبون العقاب . وإضافة العلم إلى اليقين ، كقوله تعالى : { إن هذا لهو حق اليقين }{[16338]} [ الواقعة : 95 ] . وقيل : اليقين ها هنا : ] الموت ، قاله قتادة . وعنه أيضا : البعث ؛ لأنه إذا جاء زال الشك ، أي لو تعلمون علم البعث ، وجواب " لو " محذوف ، أي لو تعلمون اليوم من البعث ما تعلمونه إذا جاءتكم نفخة الصور ، وانشقت اللحود عن جثثكم ، كيف يكون حشركم ، لشغلكم ذاك عن التكاثر بالدنيا . وقيل : { كلا لو تعلمون علم اليقين } أي لو قد{[16339]} تطايرت الصحف ، فشقي وسعيد . وقيل : إن " كلا " في هذه المواضع الثلاثة بمعنى " ألا " ، قاله ابن أبي حاتم ، وقال الفراء : هي بمعنى " حقا " ، وقد تقدم الكلام فيها مستوفى{[16340]} .
{ لو تعلمون علم اليقين } جواب لو محذوف ، تقديره لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة ، فينبغي الوقف على اليقين ، ومعمول لو تعلمون محذوف أيضا ، وعلم اليقين مصدر ، ومعنى علم اليقين العلم الذي لا يشك فيه . قال بعضهم : هو من إضافة الشيء إلى نفسه ، كقولك : دار الآخرة ، وقال الزمخشري : معناه : علم الأمور التي تستيقنونها بالمشاهدة .