وحين ينتهي هذا التأنيب الساخر المرير يعاجلهم بالتيئيس البئيس . ( اصلوها . فاصبروا أو لا تصبروا . سواء عليكم . إنما تجزون ما كنتم تعملون ) . .
وليس أقسى على منكوب بمثل هذه النكبة . من أن يعلم أن الصبر وعدم الصبر سواء . فالعذاب واقع ، ما له من دافع . وألمه واحد مع الصبر ومع الجزع . والبقاء فيه مقرر سواء صبر عليه أم هلع . . والعلة أنه جزاء على ما كان من عمل . فهو جزاء له سببه الواقع فلا تغيير فيه ولا تبديل !
وبذلك ينتهي هذا المشهد الرعيب ؛ كما ينتهي الشوط الأول بإيقاعه العنيف .
اصلوها : ادخلوها وقاسوا حرّها وشدائدها .
16- { اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لاَ تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } .
ادخلوا جهنم واصطلوا بنارها ، وتعذَّبوا بعذابها ، والصبر وعدمه سواء ، كما قال سبحانه حكاية عنهم : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } .
فلا مهرب لكم من النار ، ولا مخرج لكم من العذاب ، وهذا العذاب جزاء أعمالكم في الدنيا ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، ولا يظلم ربك أحدا . ( الكهف : 49 ) ، بل يجازي كلّ أحد بعمله .
ونلاحظ أن الصبر في الدنيا له ثواب في الآخرة ، وهو محمود عند الناس ، فيقال للصابر : ما أشجعه ، أو ما أقوى إيمانه ، أو ما أثبت يقينه ، ويقال لمن أصابه الجزع والهلع : إنه يجزع كالنسوان والصبيان .
وقد ذكر الصبر في القرآن في أكثر من سبعين موضعا ، وحث عليه القرآن وبيّن فضله وثوابه ، أما في الآخرة ، فإن صبر الكافر على عذاب جهنم ، أو عدم صبره لن ينقذه من العذاب .
وقوله : { إنّما تُجزون ما كنتم تعملون } . تعليل للاستواء ، لأن الصبر يكون مزية على الجزع ، لنفعه في العاقبة ، بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير ، فأما الصبر على العذاب – الذي هو الجزاء – ولا عاقبة له ، ولا منفعة فيه ، فلا مزية له على الجزع . أ . ه .
إن الجزاء محتم الوقوع ، لِسَبْقِ الوعيد به في الدنيا على ألسنة الرسل ، ولقضاء الله به بمقتضى عدله ، فالصبر وعدمه سيّان حينئذ .
{ اصْلَوْهَا } أي : ادخلوا النار على وجه تحيط بكم ، وتستوعب جميع أبدانكم{[873]} وتطلع على أفئدتكم .
{ فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ } أي : لا يفيدكم الصبر على النار شيئا ، ولا يتأسى بعضكم ببعض ، ولا يخفف عنكم العذاب ، وليست{[874]} من الأمور التي إذا صبر العبد عليها هانت مشقتها وزالت شدتها .
وإنما فعل بهم ذلك ، بسبب أعمالهم الخبيثة وكسبهم ، [ ولهذا قال ] { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
ثم يقال لهم بعد هذا التبكيت الذي يقطع بأن جوابهم يكون بأن يقولوا : لا وعزة ربنا ما هو بسحر ولا خيال ، بل هو حقيقة ، ونحن في غاية الإبصار على سبيل{[61548]} الإخزاء ، والامتهان والإذلال : { اصلوها } أي باشروا حرها وقاسوه وواصلوه كما كنتم تواصلون أذى عبادي{[61549]} بما يحرق قلوبهم { فاصبروا } أي فيتسبب عن تكذيبكم{[61550]} في الدنيا ومباشرتكم لها الآن أن يقال لكم : اصبروا على هذا الذي لا طاقة لكم به { أو لا تصبروا } فإنه لا محيص لكم عنها { سواء عليكم } أي الصبر والجزع .
ولما كان المعهود أن الصبر له مزية على الجزع ، بين أن ذلك حيث لا تكون المصيبة إلا على وجه الجزاء الواجب{[61551]} وقوعه فقال معللاً : { إنما تجزون } أي يقع جزاؤكم الآن وفيما يأتي على الدوام { ما كنتم } أي دائماً بما هو لكم كالجبلة { تعملون * } مع{[61552]} الأولياء غير مبالين بهم ، فكان هذا ثمرة فعلكم بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.