ثم التهديد السافر بجند الله ، والمتآمرون في نهاية الحياة :
( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) !
وهو مشهد مفزع مهين . وهم يحتضرون . ولا حول لهم ولا قوة . وهم في نهاية حياتهم على هذه الأرض . وفي مستهل حياتهم الأخرى . هذه الحياة التي تفتتح بضرب الوجوه والأدبار . في لحظة الوفاة ، لحظة الضيق والكرب والمخافة . الأدبار التي ارتدوا عليها من بعد ما تبين لهم الهدى ! فيا لها من مأساة !
فكيف إذا توفتهم الملائكة : كيف حالهم ، أو كيف يعملون ويحتالون حينئذ .
يضربون وجوههم وأدبارهم : تصوير للأهوال والفظائع التي يشهدها المنافقون عند الموت ، حيث تضرب الملائكة وجوههم وظهورهم .
27- { فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } .
كيف يكون حال هؤلاء العصاة المنافقين إذا ما انتهت حياتهم ، وحضرت الملائكة لاستخراج أرواحهم ، وتعاصت الأرواح عن الخروج من الجسد ، واشتدت الحشرجة ، والملائكة يضربون وجوههم من الأمام ، وأدبارهم من الخلف ، هل يستطيعون أن يتلونوا أو ينافقوا عند موتهم ، وهو آت لاشك في ذلك ؟
وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق * ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد } . ( الأنفال : 50 ، 51 ) .
وقال تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } . ( الأنعام : 93 ) .
قال المفسرون : وضرب الوجوه والأدبار زيادة في المهانة والإذلال ، وعن ابن عباس قال : لا يتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة في وجهه وفي دبره .
قوله تعالى : " فكيف " أي فكيف تكون حالهم . " إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم " أي ضاربين ، فهو في موضع الحال . ومعنى الكلام التخويف والتهديد ، أي إن تأخر عنهم العذاب فإلى انقضاء العمر . وقد مضى في " الأنفال والنحل " {[13954]} . وقال ابن عباس : لا يتوفى أحد على معصية إلا بضرب شديد لوجهه وقفاه . وقيل : ذلك عند القتال نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بضرب الملائكة وجوههم عند الطلب وأدبارهم عند الهرب . وقيل : ذلك في القيامة عند سوقهم إلى النار .
ولما بين تعالى إحاطة علمه بهم ، أتبعه إحاطة قدرته فقال تعالى مسبباً عن خيانتهم وهم في القبضة بما لا يخفى مما يريدون به صيانة أنفسهم عن القتل معبراً بالاستفهام تنبيهاً على أن حالهم {[59806]}مما يجازون{[59807]} به على هذا الاستحقاق له من البشاعة والقباحة والفظاعة{[59808]} ما يحق{[59809]} السؤال عنه لأجله فقال-{[59810]} : { فكيف } أي حالهم { إذا توفتهم الملائكة } أي قبضت رسلنا وهم ملك الموت وأعوانه أرواحهم{[59811]} كاملة ، فجازتها إلى دار الجزاء مقطوعة عن جميع أسبابهم وأنسابهم-{[59812]} فلم ينفعهم تقاعدهم{[59813]} عن الجهاد في تأخير{[59814]} آجالهم ، وصور حالهم وقت توفيهم فقال : { يضربون } أي يتابعون في حال التوفية ضربهم { وجوههم } التي هي أشرف جوارحهم التي جبنوا عن الحرب صيانة لها-{[59815]} عن ضرب الكفار . ولما كان حالهم في جبنهم مقتضياً لضرب الأقفاء ، صوره بأشنع صوره فقال : { وأدبارهم * } التي ضربها أدل ما يكون على هوان المضروب وسفالته ثم{[59816]} تتصل بعد ذلك آلامهم وعذابه وهوانهم إلى ما لا آخر له .
قوله : { فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } كيف ، في موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف . وتقديره فكيف حالهم . و { يضربون } ، جملة فعلية في موضع نصب على الحال من الملائكة{[4243]} يعني : فكيف تكون حال هؤلاء المنافقين الماكرين الذين يكيدون للإسلام ورسوله ، إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون بالسياط وجوههم وأدبارهم ، وهي أعجازهم . وفي ذلك من التخويف والتهديد ما فيه . قال ابن عباس : لا يتوفى أحد على مصية إلا بضرب شديد لوجهه وقفاه .