مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ} (27)

قوله تعالى { فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم } .

اعلم أنه لما قال الله تعالى : { والله يعلم إسرارهم } قال فهب أنهم يسرون والله لا يظهره اليوم فكيف يبقى مخفيا وقت وفاتهم ، أو نقول كأنه تعالى قال : { والله يعلم إسرارهم } وهب أنهم يختارون القتال لما فيه الضراب والطعان ، مع أنه مفيد على الوجهين جميعا ، إن غلبوا فالمال في الحال والثواب في المآل ، وإن غلبوا فالشهادة والسعادة ، فكيف حالهم إذا ضرب وجوههم وأدبارهم ، وعلى هذا فيه لطيفة ، وهي أن القتال في الحال إن أقدم المبارزة فربما يهزم الخصم ويسلم وجهه وقفاه ، وإن لم يهزمه فالضرب على وجهه إن صبر وثبت وإن لم يثبت وانهزم ، فإن فات القرن فقد سلم وجهه وقفاه وإن لم يفته فالضرب على قفاه لا غير ، ويوم الوفاة لا نصرة له ولا مفر ، فوجهه وظهره مضروب مطعون ، فكيف يحترز عن الأذى ويختار العذاب الأكبر .