في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ} (21)

ولمسة أخرى في الرزق الذي يستمتعون به ، وينسون مصدره ، ثم لا يخشون ذهابه ، ثم يلجون في التبجح والإعراض :

( أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ? بل لجوا في عتو ونفور ) . .

ورزق البشر كله - كما سلف - معقود بإرادة الله في أول أسبابه ، في تصميم هذا الكون وفي عناصر الأرض والجو وهي أسباب لا قدرة للبشر عليها إطلاقا ، ولا تتعلق بعملهم بتاتا . فهي أسبق منهم في الوجود ، وهي أكبر منهم في الطاقة ، وهي أقدر منهم على محو كل أثر للحياة حين يشاء الله .

فمن يرزق البشر إن أمسك الماء ، أو أمسك الهواء ، أو أمسك العناصر الأولى التي منها ينشأ وجود الأشياء ? إن مدلول الرزق أوسع مدى وأقدم عهدا وأعمق جذورا مما يتبادر إلى الذهن عندما يسمع هذه الكلمة . ومرد كل صغيرة وكبيرة فيه إلى قدرة الله وقدره ، وإرساله للأسباب وإمساكها حين يشاء .

وفي هذا المدلول الكبير الواسع العميق تنطوي سائر المدلولات القريبة لكلمة الرزق ، مما يتوهم الإنسان أنها من كسبه وفي طوقه ، كالعمل ، والإبداع ، والإنتاج . . وكلها مرتبطة بقيام الأسباب والعناصر الأولى من جهة ومتوقفة على هبة الله للأفراد والأمم من جهة أخرى . فأي نفس يتنفسه العامل ، وأي حركة يتحركها ، إلا من رزق الله ، الذي أنشأه ، ومنحه المقدرة والطاقة ، وخلق له النفس الذي يتنفسه ، والمادة التي تحترق في جسده فتمنحه القدرة على الحركة ? وأي جهد عقلي يبذله مخترع إلا وهو من رزق الله الذي منحه القدرة على التفكير والإبداع ? وأي إنتاج ينتجه عامل أو مبدع إلا في مادة هي من صنع الله ابتداء ، وإلا بأسباب كونية وإنسانية هي من رزق الله أصلا ? . . ( أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ? ! ) . .

( بل لجوا في عتو ونفور ) .

والتعبير يرسم خدا مصعرا ، وهيئة متبجحة ، بعد تقريره لحقيقة الرزق ، وأنهم عيال على الله فيه ، وأقبح العتو والنفور ، والتبجح والتصعير ، ما يقع من العيال في مواجهة المطعم الكاسي ، الرازق العائل وهم خلو من كل شيء إلا ما يتفضل به عليهم . وهم بعد ذلك عاتون معرضون وقحاء !

وهو تصوير لحقيقة النفوس التي تعرض عن الدعوة إلى الله في طغيان عات ، وفي إعراض نافر ، وتنسى أنها من صنع الله ، وأنها تعيش على فضله ، وأنها لا تملك من أمر وجودها وحياتها ورزقها شيئا على الإطلاق !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ} (21)

20

إن أمسك رزقه : إن أمسك الرحمان رزقه ، لا أحد غير الله يرسله .

لجّوا في عتوّ : تمادوا في استكبار وعناد .

نفور : تباعد عن الحق وشراد منه .

21- أمّن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجّوا في عتوّ ونفور .

إن الكون حافل بالأرزاق ، فالماء والأرض والفضاء ، والليل والنهار ، والهواء والنبات والماء ، وسائر الموجودات كلها أرزاق من الله ، بل والقوى العقلية المبدعة في الإنسان ، كلها من إبداع الخالق الرازق ، ولو حبس الله عنايته عن الإنسان لضلّ وزلّ .

ومعنى الآية :

من هذا الذي يرزقكم من فوقكم ومن تحتكم ومن خلجات أنفاسكم ، إذا أمسك الله عنكم رزقه ؟

والجواب : لا أحد يرزق غير الله ، لكن الكفار يسيرون في عتوّ واستكبار ، وشراد عن الحق ، ونفور وامتعاض من دعوة الرسل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ} (21)

{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } أي : الرزق كله من الله ، فلو أمسك عنكم رزقه ، فمن الذي يرسله لكم ؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم ، فكيف بغيرهم ؟ فالرزاق المنعم ، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه ، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة ، ولكن الكافرون { لَجُّوا } أي : استمروا { فِي عُتُوٍّ } أي : قسوة وعدم لين للحق { وَنُفُورٍ } أي : شرود عن الحق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ} (21)

{ أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه } أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم ، { بل لجوا في عتو } تمادوا في الضلال ، { ونفور } تباعد من الحق .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ} (21)

{ بل لجوا } تمادوا { في عتو } عصيان وضلال ، { ونفور } تباعد عن الحق .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ} (21)

ولما قدم أعظم الرحمة بالحياطة والنصرة الموجبة للبقاء ، أتبعه ما يتم به البقاء فقال : { أمّن } وأشار إلى القرب بالعلم والبعد بالعلو والعظمة بقوله : { هذا } وأشار إلى معرفة كل أحد له بصفاته العلية ، التي تنشأ عنها أفعاله المحكمة السنية ، فقال : { الذي } وأسقط العائد لتحمل الفعل له فقال : { يرزقكم{[67027]} } أي على{[67028]} سبيل التجدد والاستمرار ، لا ينقطع معروفه أبداً{[67029]} مع أنه{[67030]} قد وسع كل شيء ولا غفلة له عن شيء ، { إن أمسك رزقه } بإمساك الأسباب التي ينشأ عنها ، ويكون وصوله إليكم منها كالمطر ، ولو كان الرزق موجوداً أو كثيراً وسهل التناول ، فوضع الأكلة في فمه فأمسك الله عنه قوة الازدراء ، عجز أهل السموات والأرض عن أن يسوغوه{[67031]} تلك اللقمة{[67032]} .

ولما قامت بهذا دلائل قدرته وشمول علمه على سبيل العموم فالخصوص ، فكان ذلك مظنة أن يرجع الجاحد ويخجل المعاند ، ويعلم الجاهل ويتنبه الغافل ، فكان{[67033]} موضع أن يقال : هل رجعوا عن تكذيبهم ، عطف عليه قوله لافتاً الكلام إلى الغيبة{[67034]} إعراضاً عنهم ، وتنبيهاً على سقوط منزلتهم وسوء أفهامهم وقوة غفلتهم : { بل لجوا } أي تمادوا سفاهة لا احتياطاً وشجاعة ، قال الرازي في اللوامع : واللجاج تقحم الأمر مع كثرة الصوارف عنه . { في عتو } أي مظروفين لعناد وتكبر عن الحق وخروج {[67035]}إلى فاحش الفساد{[67036]} { ونفور * } أي شراد عن حسن النظر والاستماع ، دعا إليه الطباع ، واستولى ذلك عليهم حتى أحاط بهم ، مع أنه لا قوة لأحد منهم في جلب سار ولا دفع ضار ، والداعي إلى ذلك الشهوة والغضب .


[67027]:- زيد من ظ وم.
[67028]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[67029]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأنه.
[67030]:- من ظ وم، وفي الأصل: لأنه.
[67031]:- من ظ وم، وفي الأصل: يسوغوا.
[67032]:- زيد في الأصل لعجزوا عن إساغتها، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67033]:- من ظ وم، وفي الأصل: وكان.
[67034]:- من ظ وم، وفي الأصل: الغيب.
[67035]:- من ظ وم، وفي الأصل: خروجا.
[67036]:- من ظ وم، وفي الأصل: العباد.