فإن استكبروا بعد عرض هذه الآيات ، وبعد هذا البيان ، فلن يقدم هذا أو يؤخر ؛ ولن يزيد هذا أو ينقص . فغيرهم يعبد غير مستكبر :
( فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار ، وهم لا يسأمون ) . .
وأقرب ما يرد على القلب عند ذكر ( الذين عند ربك )الملائكة . ولكن قد يكون هنالك غير الملائكة من عباد الله المقربين ؛ وهل نعلم نحن شيئاً إلا اليسير الضئيل ? !
هؤلاء . الذين عند ربك . وهم أرفع وأعلى . وهم أكرم وأمثل . لا يستكبرون كما يستكبر أولئك المنحرفون
الضالون في الأرض . ولا يغترون بقرب مكانهم من الله . ولا يفترون عن تسبيحه ليلاً ونهاراً ( وهم لا يسأمون ) . . فماذا يساوي أن يتخلف من أهل الأرض من يتخلف في حقيقة العبودية لله من الجميع ?
وهنالك الأرض - أمهم التي تقوتهم - الأرض التي منها خرجوا وإليها يعودون . الأرض التي هم على سطحها نمال تدب ولا طعام لها ولا شراب إلا ما تستمده منها . . هذه الأرض تقف خاشعة لله ، وهي تتلقى من يديه الحياة :
بالليل والنهار : المقصود بهما الدوام ، أي : يصلّون له دائما .
38- { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون } .
أي : إن استكبر المشركون عن عبادة الله وحده ، أو تكبّر عبدة الكواكب والشمس والقمر عن طاعتك أيها الرسول ؛ فلا تأبه بهم فالله غني عنهم ، فالملائكة المكرمون خاضعون لقدرة الله ، ملازمون لعبادته بالليل والنهار ، ولا يملّون ولا يسأمون من عبادة الله تعالى .
كما قال سبحانه وتعالى : { فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين } . ( الأنعام : 89 ) .
{ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا } عن عبادة الله تعالى ، ولم ينقادوا لها ، فإنهم لن يضروا الله شيئًا ، والله غني عنهم ، وله عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، ولهذا قال : { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ } يعني : الملائكة المقربين { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } أي : لا يملون من عبادته ، لقوتهم ، وشدة الداعي القوي منهم إلى ذلك .
ولما كانوا في هذا الأمر بين طاعة ومعصية ، وكان درء المفاسد مقدماً ، سبب عن ذلك قوله معبراً بأداة الشك تنبيهاً لهم على أن استكبارهم بعد إقامة هذه الأدلة ينبغي أن لا يتوهم ، وصرف القول إلى الغيبة تحقيراً لهم وإبعاداً على تقدير وقوع ذلك منهم { فإن استكبروا } أي أوجدوا الكبر عن اتباعك فيما أمرتهم به من التوحيد فلم يوحدوا الله ولم ينزهوه تعالى عن الشريك { فالذين عند } وأظهر موضع الإضمار معبراً بوصف الإحسان بشارة له ونذارة لهم { ربك } خاصة لا عندهم لكونهم مقربين لديه في درجة الرضاء والكرامة ولكونهم مما يستغرق به الآدميون ولكون الكفار لا قدرة لهم على الوصول إليهم بوجه : { يسبحون له } أي يوقعون التنزيه عن النقائص ويبعدون عن الشركة لأجل علوه الأقدس وعزه الأكبر لا لشيء غيره إخلاصاً في عبادته وهم لا يستكبرون .
ولما كان حال الكفار في الإخلاص مختلفاً في الشدة والرخاء ، أشار إلى تقبيح ذلك منهم بتعميم خواصه عليهم الصلاة والسلام بالإخلاص حالتي الإثبات الذي هو حالة بسط في الجملة ، والمحو الذي هو حالة قبض كذلك يجددون هذا التنزيه مستمرين عليه في كل وقت فقال : { بالليل والنهار } أي على مر الملوين وكر الجديدين لا يفترون . ولما كان في سياق الفرص لاستكبارهم المقتضي لإنكارهم ، أكد بالعاطف والضمير فقال مؤذناً بأن هذا ديدنهم لا ينفكون عنه : { وهم } أي والحال أنهم على هذا الدوام { لا يسئمون * } أي لا يكاد لهم في وقت من الأوقات فتور ولا ملل ، فهو غني عن عبادة هؤلاء بل وعن عبادة كل عابد ، والحظ الأوفر لمن عنده وأما هو سبحانه فلا يزيده شيئاً ولا ينقصه شيء فدع هؤلاء إن استكبروا وشأنهم ، فسيعلمون من الخاسر ، فالآية من الاحتباك : ذكر الاستكبار أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والتسبيح ثانياً دليلاً على حذفه أولاً ، وسر ذلك أنه ذكر أقبح ما لأعدائه وأحسن ما لأوليائه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.