في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

ثم يستعرض السياق نموذجا آخر من تبجح الكافرين ، وقولة أخرى من أقوالهم يستنكرها ويعجب منها :

أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال : لأوتين مالا وولدا ? أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا ? كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا . ونرثه ما يقول وأتينا فردا . .

ورد في سبب نزول هذه الآيات - بإسناده - عن خباب بن الأرث قال : كنت رجلا قينا [ حدادا ] وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : لا والله ، لا أكفر بمحمد [ ص ] حتى تموت ثم تبعث . قال : فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد ، فأعطيتك ! فأنزل الله : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال : لأوتين مالا وولدا . . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

القول في تأويل قوله تعالى { أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لاُوتَيَنّ مَالاً وَوَلَداً * أَطّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمََنِ عَهْداً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفَرأيْتَ يا محمد الّذِي كَفَرَ بآياتِنا حججنا فلم يصدّق بها ، وأنكر وعيدنا من أهل الكفر وَقالَ وهو بالله كافر وبرسوله لاَوتَينّ في الاَخرة مالاً وَوَلَدا . وذُكر أن هذه الاَيات أنزلت في العاص بن وائل السهمي أبي عمرو بن العاص . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن خباب ، قال : كنت رجلاً قَيْنا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فقال : فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول ، جئتني ولي مال وولد ، قال : فأنزل الله تعالى : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمنِ عَهْدا . . . إلى قوله : ويَأْتينا فَرْدا .

حدثني به أبو السائب ، وقرأ في الحديث : وولدا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يطلبون العاصَ بن وائل السّهْمِيّ بدين ، فأتوه يتقاضونه ، فقال : ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهبا وحريرا ، ومن كلّ الثمرات ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن موعدكم الاَخرة ، فوالله لأوتينّ مالاً وولدا ، ولأوتينّ مثل كتابكم الذي جئتم به ، فضرب الله مثله في القرآن ، فقال : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً . . . إلى قوله ويَأْتِينا فَرْدا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا قال : العاصُ بن وائل يقوله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا فذُكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتوا رجلاً من المشركين يتقاضونه دينا ، فقال : أليس يزعم صاحبكم أن في الجنة حريرا وذهبا ؟ قالوا : بلى ، قال فميعادكم الجنة ، فوالله لا أومن بكتابكم الذي جئتم به ، استهزاء بكتاب الله ، ولأُوتينّ مالاً وولدا . يقول الله : أطّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتّخَذَ عِنْدَ الرّحْمَنِ عَهْدا ؟

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قال خَبّاب بن الأَرَتّ : كنت قَيْنا بمكة ، فكنت أعمل للعاص بن وائل ، فاجتمعت لي عليه دراهم ، فجئت لأتقاضاه ، فقال لي : لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، قال : قلت : لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث ، قال : فإذا بُعثت كان لي مال وولد ، قال : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى : أفَرأيْتَ الّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَينّ مالاً وَوَلَدا . . . إلى وَيأْتِيَنا فَرْدا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله وَوَلدا فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : وَوَلَدا بفتح الواو من الولد في كلّ القرآن ، غير أن أبا عمرو بن العلاء خَصّ التي في سورة نوح بالضمّ ، فقرأها : مالُهُ وَوُلْدُهُ . وأما عامّة قرّاء الكوفة غير عاصم ، فإنهم قرأوا من هذه السورة من قوله مالاً وَوَلَدا إلى آخر السورة ، واللتين في الزخرف ، والتي في نوح ، بالضمّ وسكون اللام .

وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك إذا ضمت واوه ، فقال بعضهم : ضمها وفتحها واحد ، وإنما هما لغتان ، مثل قولهم العُدْم والعَدَم ، والحُزْن والحَزَن . واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر :

فَلَيْتَ فُلانا كانَ في بَطْنِ أُمّهِ *** وَلَيْتَ فُلانا كانَ وُلْدَ حِمارِ

ويقول الحارث بن حِلّزة :

وَلَقَدْ رأيْتُ مَعاشِرا *** قَدْ ثَمّرُوا مالاً وَوُلْدَا

وقول رُؤْبة :

الْحَمْد لِلّهِ العَزِيزِ فَرْدَا *** لَمْ يَتّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا

وتقول العرب في مثلها : وُلْدُكِ مِن دَمّى عَقِبَيْكِ ، قال : وهذا كله واحد ، بمعنى الولد . وقد ذُكر لي أن قيسا تجعل الوُلْد جمعا ، والوَلد واحدا . ولعلّ الذين قرأوا ذلك بالضمّ فيما اختاروا فيه الضمّ ، إنما قرأوه كذلك ليفرقوا بين الجمع والواحد .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي أن الفتح في الواو من الوَلد والضمّ فيها بمعنى واحد ، وهما لغتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب ، غير أن الفتح أشهر اللغتين فيها . فالقراءة به أعجبُ إليّ لذلك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

تفريع على قوله { ويقول الإنسان أإذا ما متّ لسوفَ أخرج حياً } [ مريم : 66 ] وما اتصل به من الاعتراض والتفريعات . والمناسبة : أن قائل هذا الكلام كان في غرور مثل الغرور الذي كان فيه أصحابه . وهو غرور إحالة البعث .

والآية تشير إلى قصة خبّاب بن الأرتّ مع العاصي بن وائل السهمي . ففي « الصحيح » : أن خبّاباً كان يصنع السيوف في مكة ، فعمل للعاصي بن وائل سَيفاً وكان ثمنه دَيناً على العاصي ، وكان خبّاب قد أسلم ، فجاء خبّاب يتقاضى دَينه من العاصي فقال له العاصي بن وائل : لا أقضيكه حتى تكفر بمحمّد ، فقال خبّاب ( وقد غضب ) : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثمّ يبعثك . قال العاصي : أو مبعوثٌ أنا بعد الموت ؟ قال : نعم . قال ( العاصي متهكماً ) : إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دَينَك » . فنزلت هذه الآية في ذلك . فالعاصي بن وائل هو المراد بالذي كفر بآياتنا .

والاستفهام في { أفرأيت } مستعمل في التعجيب من كفر هذا الكافر .

والرؤية مستعارة للعلم بقصته العجيبة . نُزلت القصة منزلة الشيء المشاهد بالبصر لأنه من أقوى طرق العلم . وعبر عنه بالموصول لما في الصلة من منشأ العجب ولا سيما قوله { لأُوتين مالاً وولداً } .

والمقصود من الاستفهام لفت الذهن إلى معرفة هذه القصة أو إلى تذكرها إن كان عالماً بها .

والخطاب لكل من يصلح للخطاب فلم يُرد به معيّن . ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم

والآيات : القرآن ، أي كفر بما أنزل إليه من الآيات وكذب بها . ومن جملتها آيات البعث .

والوَلَد : اسم جَمْع لوَلَد المفرد ، وكذلك قرأه الجمهور ، وقرأ حمزة والكسائي في هذه السورة في الألفاظ الأربعة « ووُلْد » بضمّ الواو وسكون اللام فهو جمع ولد ، كأسد وأسد .