في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (20)

ثم إذا مشهد جديد . رجل يجيء إلى موسى من أقصى المدينة ، يحذره ائتمار الملأ من قوم فرعون به ، وينصح بالهرب من المدينة إبقاء على حياته :

( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى . قال : يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك . فاخرج إني لك من الناصحين ) . .

إنها يد القدرة تسفر في اللحظة المطلوبة ، لتتم مشيئتها !

لقد عرف الملأ من قوم فرعون ، وهم رجال حاشيته وحكومته والمقربون إليه أنها فعلة موسى . وما من شك أنهم أحسوا فيها بشبح الخطر . فهي فعلة طابعها الثورة والتمرد ، والانتصار لبني إسرائيل . وإذن فهي ظاهرة خطيرة تستحق التآمر . ولو كانت جريمة قتل عادية ما استحقت أن يشتغل بها فرعون والملأ والكبراء . فانتدبت يد القدرة واحدا من الملأ . الأرجح أنه الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه ، والذي جاء ذكره في سورة [ غافر ] انتدبته ليسعى إلى موسى ( من أقصى المدينة )في جد واهتمام ومسارعة ، ليبلغه قبل أن يبلغه رجال الملك : ( إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، فاخرج إني لك من الناصحين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَآءَ رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىَ قَالَ يَمُوسَىَ إِنّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ } .

ذُكِر أن قول الإسرائيليّ سمعه سامع فأفشاه ، وأعلم به أهل القتيل ، فحينئذٍ طلب فرعون موسى ، وأمر بقتله فلما أمر بقتله ، جاء موسى مخبر ، وخبره بما قد أمر به فرعون في أمره ، وأشار عليه بالخروج من مصر ، بلد فرعون وقومه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني العباس ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن زيد ، قال : حدثنا القاسم بن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : انطلق الفرعونيّ الذي كان يقاتل الإسرائيليّ إلى قومه ، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول : أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بالأَمْسِ ؟ فأرسل فرعون الذبّاحين لقتل موسى ، فأخذوا الطريق الأعظم ، وهم لا يخافون أن يفوتهم ، وكان رجل من شيعة موسى في أقصى المدينة ، فاختصر طريقا قريبا ، حتى سبقهم إلى موسى ، فأخبره الخبر .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : أعلمهم القبطيّ الذي هو عدوّ لهما ، فأتمر الملأ ليقتلوه ، فجاء رجل من أقصى المدينة ، وقرأ : إنّ . . . إلى آخر الاَية ، قال : كنا نحدّث أنه مؤمن آل فرعون .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ذهب القبطي ، يعني الذي كان يقاتل الإسرائيلي ، فأفشى عليه أن موسى هو الذي قتل الرجل ، فطلبه فرعون وقال : خذوه فإنه صاحبنا ، وقال للذين يطلبونه : اطلبوه في بنيات الطريق ، فإن موسى غلام لا يهتدي الطريق ، وأخذ موسى في بنيات الطريق ، وقد جاءه الرجل فأخبره إنّ المَلأَ يأْتَمرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن أصحابه ، قالوا : لما سمع القبطيّ قول الإسرائيليّ لموسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كمَا قَتَلْت نَفْسا بالأَمْسِ سعى بها إلى أهل المقتول فقال : إن موسى هو قتل صاحبكم ، ولو لم يسمعه من الإسرائيلي لم يعلمه أحد ، فلما علم موسى أنهم قد علموا خرج هاربا ، فطلبه القوم فسبقهم قال : وقال ابن أبي نجيح : سعى القبطي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، قال : قال الإسرائيلي لموسى : أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كمَا قَتَلْت نَفْسا بالأَمْسِ وقبطي قريب منهما يسمع ، فأفشى عليهما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمع ذلك عدوّ ، فأفشى عليهما .

وقوله : وَجاءَ رَجُلٌ ذُكر أنه مؤمن آل فرعون ، وكان اسمه فيما قيل : سمعان . وقال بعضهم : با كان اسمه شمعون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، أخبرني وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبئيّ ، قال : اسمه شمعون الذي قال لموسى : إنّ المَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : أصبح الملأ من قوم فرعون قد أجمعوا لقتل موسى فيما بلغهم عنه ، فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى يقال له سمعان ، فقال : يا مُوسَى إنّ المَلأَ يأتمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ، فاخْرُجْ إنّي لَكَ مِنَ النّاصحِينَ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى إلى موسى قالَ يا مُوسَى إنّ المَلأَ يأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ، فاخْرُجْ إنّي لَكَ مِنَ النّاصحِينَ .

وقوله مِنْ أقْصَى المَدِينَةِ يقول : من آخر مدينة فرعون يَسْعَى يقول : يعجل . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن حُرَيج وَجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى قال : يعجل ، ليس بالشدّ .

وقوله : قالَ يا مُوسَى إنّ المَلأَ يأتمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ يقول جلّ ثناؤه : قال الرجل الذي جاءه من أقصى المدينة يسعى لموسى : يا موسى إن أشراف قوم فرعون ورؤساءهم يتآمرون بقتلك ، ويتشاورون ويرتؤون فيك ومنه قول الشاعر :

ما تَأْتَمِرْ فِينا فَأمْرُكَ *** في يَمِنِكَ أو شِمالكْ

يعني : ما ترتئي ، وتهمّ به ومنه قول النمر بن تولب :

أرَى النّاسَ قَدْ أحْدَثُوا شِيمَةً *** وفي كُلّ حادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ

أَيْ يُتَشَاوَرُ وَيُرْتَأَىَ فِيهَا .

وقوله : فاخْرُجْ إنّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ يقول : فاخرج من هذه المدينة ، إني لك في إشارتي عليك بالخروج منها من الناصحين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (20)

ظاهر النظم أن الرجل جاء على حين محاورة القبطي مع موسى فلذلك انطوى أمر محاورتهما إذ حدث في خلاله ما هو أهم منه وأجدى في القصة .

والظاهر أن أقصى المدينة هو ناحية قصور فرعون وقومه فإن عادة الملوك السكنى في أطراف المدن توقياً من الثورات والغارات لتكون مساكنهم أسعد بخروجهم عند الخوف . وقد قيل : الأطراف منازل الأشراف . وأما قول أبي تمام :

كانت هي الوسط المحمي فاتصلت *** بها الحوادث حتى أصبحت طرفا

فذلك معنى آخر راجع إلى انتقاص العمران كقوله تعالى { يقولون إن بيوتنا عورة } ( الأحزاب : 13 .

وبهذا يظهر وجه ذكر المكان الذي جاء منه الرجل وأن الرجل كان يعرف موسى .

و { الملأ } : الجماعة أولو الشأن ، وتقدم عند قوله تعالى { قال الملأ من قومه } أي نوح في [ الأعراف : 60 ] ، وأراد بهم أهل دولة فرعون : فالمعنى : أن أولي الأمر يأتمرون بك ، أي يتشاورون في قتلك . وهذا يقتضي أن القضية رفعت إلى فرعون وفي سفر الخروج في الإصحاح الثاني : « فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يُقتل موسى » . ولما علم هذا الرجل بذلك أسرع بالخبر لموسى لأنه كان معجباً بموسى واستقامته . وقد قيل : كان هذا الرجل من بني إسرائيل . وقيل : كان من القبط ولكنه كان مؤمناً يكتم إيمانه ، لعل الله ألهمه معرفة فساد الشرك بسلامة فطرته وهيأه لإنقاذ موسى من يد فرعون .

والسعي : السير السريع ، وقد تقدم عند قوله { فإذا هي حية تسعى } في سورة [ طه : 20 ] . وتقدم بيان حقيقته ومجازه في قوله { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها } في سورة [ الإسراء : 19 ] . وجملة { يسعى } في موضع الحال من { رجل } الموصوف بأنه من { أقصى المدينة } . و { يأتمرون بك } يتشاورون . وضمن معنى ( يهمون ) فعدي بالباء فكأنه قيل : يأتمرون ويهمّون بقتلك .

وأصل الائتمار : قبول أمر الآمر فهو مطاوع أمره ، قال امرؤ القيس :

ويعدو على المرء ما يأتمر

أي يضره ما يطيع فيه أمر نفسه . ثم شاع إطلاق الائتمار على التشاور لأن المتشاورين يأخذ بعضهم أمر بعض فيأتمر به الجميع ، قال تعالى { وائتمروا بينكم بمعروف } [ الطلاق : 6 ] .

وجملة { قال يا موسى } بدل اشتمال من جملة { جاء رجل } لأن مجيئه يشتمل على قوله ذلك .

ومتعلق الخروج محذوف لدلالة المقام ، أي فاخرج من المدينة .

وجملة { إني لك من الناصحين } تعليل لأمره بالخروج . واللام في قوله { لك من الناصحين } صلة ، لأن أكثر ما يستعمل فعل النصح معدى باللام . يقال : نصحت لك قال تعالى { إذا نصحوا لله ورسوله } في سورة [ التوبة : 91 ] ووهماً قالوا : نصحتك . وتقديم المجرور للرعاية على الفاصلة .