نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَجَآءَ رَجُلٞ مِّنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلۡمَلَأَ يَأۡتَمِرُونَ بِكَ لِيَقۡتُلُوكَ فَٱخۡرُجۡ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ} (20)

ولما كان تقدير الكلام الذي أرشد إليه السياق : فلما سمع الفرعوني قول الإسرائيلي تركه . ثم رقي الكلام إلى أن بلغ فرعون فوقع الكلام في الأمر بقتل موسى عليه الصلاة والسلام ، عطف عليه قوله : { وجاء رجل } أي ممن يحب موسى عليه الصلاة والسلام . ولما كان الأمر مهماً ، يحتاج إلى مزيد عزم وعظم قوة ، قدم فاعل المجيء على متعلقه بخلاف ما في سورة يس .

ولما كان في بيان الاقتدار على الأمور الهائلة من الأخذ بالخناق حتى يقول القائل : لا خلاص ، ثم الإسعاف بالفرج حتى يقول : لا هلاك ، قال واصفاً للرجل : { من أقصا المدينة } أي أبعدها مكاناً ، وبين أنه كان ماشياً بقوله : { يسعى } ولكنه اختصر طريقاً وأسرع في مشيه بحيث كان يعدو فسبقهم بإعظامه للسعي وتجديد العزم في كل وقت من أوقات سعيه فكأنه قيل : ما فعل ؟ فقيل : { قال } منادياً له باسمه تعطفاً وإزالة للبس : { يا موسى } وأكد إشارة إلى أن الأمر قد دهم فلا يسع الوقت الاستفصال فقال : { إن الملأ } أي أشراف القبط الذين في أيديهم الحل والعقد ، لأن لهم القدرة على الأمر والنهي { يأتمرون بك } أي يتشاورون بسببك ، حتى وصل حالهم في تشاورهم إلى أن كلاًّ منهم يأمر الآخر ويأتمر بأمره ، فكأنه قيل : لم يفعلون ذلك ؟ فقيل : { ليقتلوك } لأنهم سمعوا أنك قتلت صاحبهم { فاخرج } أي من هذه المدينة ؛ ثم علل ذلك بقوله على سبيل التأكيد ليزيل ما يطرق من احتمال عدم القتل لكونه عزيزاً عند الملك : { إني لك } أي خاصة { من الناصحين* } أي العريقين في نصحك