في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

23

وعندما يصل إلى هذه الحلقة من سلسلة الرسالات ، يتوجه بالخطاب إلى أمة الرسل ؛ وكأنما هم متجمعون في صعيد واحد ، في وقت واحد ، فهذه الفوارق الزمانية والمكانية لا اعتبار لها أمام وحدة الحقيقة التي تربط بينهم جميعا :

( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا . إني بما تعملون عليم . وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) . .

إنه نداء للرسل ليمارسوا طبيعتهم البشرية التي ينكرها عليهم الغافلون : ( كلوا من الطيبات ) . . فالأكل من مقتضيات البشرية عامة ، أما الأكل من الطيبات خاصة فهو الذي يرفع هذه البشرية ويزكيها ويصلها بالملأ الأعلى .

ونداء لهم ليصلحوا في هذه الأرض : ( واعملوا صالحا ) . . فالعمل هو من مقتضيات البشرية كذلك . أما العمل الصالح فهو الذي يميز الصالحين المختارين ؛ فيجعل لعملهم ضابطا وهدفا ، وغاية موصولة بالملأ الأعلى .

وليس المطلوب من الرسول أن يتجرد من بشريته . إنما المطلوب أن يرتقي بهذه البشرية فيه إلى أفقها الكريم الوضيء . الذي أراده الله لها ، وجعل الأنبياء روادا لهذا الأفق ومثلا أعلى . والله هو الذي يقدر عملهم بعد ذلك بميزانه الدقيق : ( إني بما تعملون عليم ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الرّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : وقلنا لعيسى : يا أيها الرسل كلوا من الحلال الذي طيّبه الله لكم دون الحرام ، وَاعْمَلُوا صَالِحا تقول في الكلام للرجل الواحد : أيها القوم كفوا عنّا أذاكم ، وكما قال : الّذِينَ قَالَ لهم النّاسُ ، وهو رجل واحد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثني عبيد بن إسحاق الضبيّ العطار ، عن حفص بن عمر الفزاريّ ، عن أبي إسحاق السبيعيّ ، عن عمرو بن شرحبيل : يا أيّها الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّباتِ وَاعْمَلُوا صَالحا قال : كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه .

وقوله : إنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ يقول : إني بأعمالكم ذو علم ، لا يخفى عليّ منها شيء ، وأنا مجازيكم بجميعها ، وموفّيكم أجوركم وثوابكم عليها ، فخذوا في صالحات الأعمال واجتهدوا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ} (51)

وقوله { يا أيها الرسل } ، يحتمل أن يكون معناه وقلنا يا أيها الرسل فتكون هذه بعض القصص التي ذكر وكيفما حول المعنى{[8496]} فلم يخاطبوا قط مجتمعين ، وإنما خوطب كل واحد في عصره ، وقالت فرقة : الخطاب بقوله { يا أيها الرسل } لمحمد عليه السلام ، ثم اختلفت فقال بعضها : أقامه مقام الرسل كما قال : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم{[8497]} ، وقيل غير هذا مما لا يثبت مع النظر ، والوجه في هذا أن يكون الخطاب لمحمد وخرج بهذه الصيغة ليفهم وجيزاً أن هذه المقالة قد خوطب بها كل نبي أو هي طريقتهم التي ينبغي لهم الكون عليها وهذا كما تقول لتاجر يا تجار ينبغي أن تجتنبوا الربا فأنت تخاطبه بالمعنى ، وقد اقترن بذلك أَن هذه المقالة تصلح لجميع صنفه ، وقال الطبري : الخطاب بقوله { يا أيها الرسل } لعيسى ، وروي أنه كان يأكل من غزل أمه ، والمشهور عنه أَنه كان يأكل من بقل البرية ، ووجه خطابه لعيسى ما ذكرناه من تقدير لمحمد صلى الله عليه وسلم ، و { الطيبات } هنا الحلال ملذة وغير ذلك{[8498]} ، وفي قوله { إني بما تعلمون عليم } تنبيه ما على التحفظ وضرب من الوعيد بالمباحثة صلى الله على جميع رسله وأنبيائه وإذا كان هذا معهم فما ظن كل الناس بأنفسهم .


[8496]:اختلفت النسخ الأصلية في هذه الجملة، ففي بعضها: "فكيف بأمور من المعنى"، وفي بعضها: "وكيف ما تحول المعنى".
[8497]:من الآية (173) من سورة (آل عمران).
[8498]:كذلك اختلفت الأصول في كتابة هذه الجملة، ففي بعضها "الحلال ملذة وغير ذلك".