بينما المشهد هكذا معروضاً في الدنيا إذا السياق ينتقل ، وينقل معه السامعين من فوره إلى ساحة الآخرة . بلا توقف ولا فاصل . فالشريط المعروض موصول المشاهد ، والنقلة تتخطى الزمان والمكان ، وتصل الدنيا بالآخرة ، وتلحق عذاب الدنيا بعذاب الآخرة ؛ وإذا الموقف هناك في لمحة خاطفة :
( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم ، وما كنا غائبين . والوزن يومئذ الحق . فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون . ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ) . .
إن التعبير على هذا النحو المصور الموحي ، خاصية من خواص القرآن . . إن الرحلة في الأرض كلها تطوى في لمحة . وفي سطر من كتاب . لتلتحم الدنيا بالآخرة ؛ ويتصل البدء بالختام !
فإذا وقف هؤلاء الذين تعرضوا لبأس الله في هذه الأرض وقفتهم هناك للسؤال والحساب والجزاء ، فإنه لا يكتفى باعترافهم ذاك حين واجهوا بأس الله الذي أخذهم وهم غارون : ( إنا كنا ظالمين ) . .
ولكنه السؤال الجديد ، والتشهير بهم على الملأ الحاشد في ذلك اليوم المشهود :
( فلنسألن الذين أرسل إليهم ، ولنسألن المرسلين . فلنقصن عليهم بعلم - وما كنا غائبين )
فهو السؤال الدقيق الوافي ، يشمل المرسل إليهم ويشمل المرسلين . . وتعرض فيه القصة كلها على الملأ الحاشد ؛ وتفصل فيه الخفايا والدقائق ! . . يسأل الذين جاءهم الرسل فيعترفون . ويسأل الرسل فيجيبون .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنّ الْمُرْسَلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : لنسألنّ الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي ، هل عملوا بما أمرتهم به وانتهوا عما نهيتهم عنه وأطاعوا أمري ، أم عصوني ، فخالفوا ذلك ؟ وَلَنَسْأَلَنّ المُرْسَلِينَ يقول : ولنسألنّ الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم ، هل بلغتهم رسالاتي وأدّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه ، أم قصّروا في ذلك ففرّطوا ولم يبلغوهم ؟ .
وكذلك كان أهل التأويل يتأوّلونه . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسأَلَنّ المُرْسَلِينَ قال : يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين ، ويسأل المرسلين عما بلغوا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَنْسأَلَنَ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ . . . إلى قوله : غائِبِينَ قال : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون .
حدثني محمد بن الحسين ، قلا : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ ارْسِلَ إلَيْهِمْ وَلَنَسْألَنّ المُرْسَلِينَ يقول فلنسألن الأمم ما عملوا فيما جاءت به الرسل ، ولنسألنّ الرسل هل بّلغوا ما أرسلوا به .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد المدني ، قال : قال مجاهد : فَلَنَسْأَلَنّ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ الأمم ، ولنسألنّ الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه ، هل بّلغوا .
وقوله تعالى : { فلنسئلن الذين أرسل إليهم } الآية وعيد من الله عز وجل لجميع العالم ، أخبر أنه يسأل الأمم أجمع عما بلغ إليهم عنه وعن جميع أعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا .
قال القاضي أبو محمد : وقد ُنفي السؤال في آيات وذلك هو سؤال الاستفهام الحقيقي . وقد ُأثبت في آيات كهذه الآية وهذا هو سؤال التقرير ، فإن الله قد أحاط علماً بكل ذلك قبل السؤال فأما الأنبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة ، وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذاباً وتوبيخاً ، فمن أنكر منهم قص عليه بعلم ، وقرأ ابن مسعود ابن عباس «فلنسألن الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ولنسألن المرسلين » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.