تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

الآية6 وقوله تعالى : { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } يذكر في الآية أنهم يسألهم جميعا : الرسل والمرسل إليهم . {[8083]} . وقال في آية أخرى : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } [ الأنبياء : 23 ] ولكن قوله تعالى : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } [ الرحمن : 39 ] أي لا يسأل عما فعل وعن نفس ما ارتكب كقوله تعالى : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } [ غافر : 84 ] . ما أذنبت ؟ وما فعلت ؟ ولكن يسأل : لماذا فعلت ؟ يسأل عن الحجة : لم أذنبت ؟ ولم فعلت ذا ؟ ويسأل في وقت ، ولا يسأل في وقت .

وقال بعضهم { لا يسأل عن ذنبه } غيره ، وإنما يسأل صاحبه وفاعله .

يخبر ، والله أعلم ، أن الآخرة على خلاف أمر الدنيا ؛ لأن في الدنيا قد يؤاخذ غير بذنب آخر ، ربما ، ويسأل إحضار قريبه ، وأما في الآخرة فإنه لا يؤاخذ غير بذنب آخر ، كذلك كان ما ذكرنا . أو أن يكون قوله تعالى : { لا يسأل } عما أظهر ، وأبدى ، ولكن يسأل عما أسرّ ، وأخفى ؛ لأن الملائكة قد يكتبون ما أبدوه ، وأظهروه ، كقوله تعالى : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } [ ق : 18 ] فيقع السؤال عما أسرّوا على التقرير ، ولا يسأل بعد ذلك .

وقوله تعالى : { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } قال بعض أهل التأويل : يسأل الرسل عن تبليغ الرسالة إلى الأمم ، ويسأل قومهم : هل بلّغ الرسل إليهم الرسالة ؟ ويكون سؤاله{[8084]} الرسل سؤال شهادة كقوله تعالى : { لتكونوا شهداء على الناس } الآية [ 143 ] [ أنهم قد بلّغوا ]{[8085]} الرسالة .

وقال بعضهم : يسأل الملائكة عن تبليغ الرسالة إلى الأنبياء ، ويسأل الأنبياء عليهم السلام عن تبليغ الملائكة إليهم . وأمكن أن يكون السؤال{[8086]} للرسل عما أجيبوا ، وكان سؤال الأمم عما أجابوا الرسل كقوله تعالى : { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم } [ المائدة : 109 ] وقوله تعالى : { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين } [ القصص : 65 ] . أو يكون سؤال القوم سؤال تقرير عندهم وإقرار لما كانوا ينكرون التبليغ إليهم كقوله تعالى : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } [ المائدة : 116 ] هذا السؤال سؤال تقرير وتعيير ، لا غير ؛ لأنه كان يعلم أنه لم يكن قال لهم ذلك ، لكنه يسألهم سؤال تقرير ليقرّوا بذلك لئلا يقولوا : هو قال لهم ذلك ؛ لأنهم قالوا : عيسى هو الذي قال لهم ذلك . فعلى ذلك الأول .


[8083]:في الأصل وم: عليهم.
[8084]:في الأصل وم: سؤالهم.
[8085]:في الأصل وم: لأنه قد بلغ.
[8086]:ساقطة من م.