الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

قوله سبحانه : { فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين . . . } [ الأعراف :6 ] . الآية وعيد مِنَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لجميع العالم أخبر سبحانه أنه يسأل الأمم أجمع عما بلغ إليهم عنه وعن جميع أعمالهم ، ويسأل النَّبيين عما بَلَّغُوا ، وهذا هو سُؤَالُ التقرير ، فإن اللَّه سبحانه قد أَحَاطَ علماً بكل ذلك قبل السؤال ، فأما الأَنْبِيَاءُ وَالمُؤْمِنون ، فيعقبهم جوابهم رَحْمَةً وكرامة ، وأما الكفار ، ومن نفذ عليه الوَعِيد من العُصَاةِ ، فيعقبهم جوابهم عَذَاباً وتوبيخاً .

( ت ) : وروى أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب «فَضْلِ العلمِ » بِسَنَدِهِ عن مَالِك أنه قال : بلغني أن العلماء يُسْأَلُونَ يوم القيامة ، كما تُسْأَلُ الأنبياء ، يعني عن تَبْلِيغ العِلمِ ، انتهى .

وخرج أبو نعَيم الحافظ ، من حديث الأَعْمَشِ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من عَبْدٍ يخطو خطوةً إِلا يُسْأَلُ عنها ما أَرَادَ بها ) وقد ذكرنا حَدِيثَ مسلم عن أبي برزة في غير هذا المَوْضِعِ .

وخرج الطبراني بسنده عن ابن عُمَرَ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا كان يَوْمُ القِيَامَةِ دَعَا اللَّه بِعَبْدٍ من عِبَادِهِ ، فيوقفه بين يَدَيْهِ ، فيسأله عن جَاهِهِ ، كما يسأله عن عَمَلِهِ ) انتهى .

وروى مالك عن يحيى بن سَعِيدٍ ، قال : بلغني أن أَوَّلَ ما ينظر فيه من عَمَلِ الْمَرْءِ الصلاة ، فإن قُبِلَتْ منه نُظِرَ فيما بقي من عَمَلِهِ ، وإِن لم تُقْبَلْ منه لم يُنْظَرْ في شَيْءٍ من عمله .

وروى أبو داود ، والترمذي ، والنَّسائي ، وابن ماجه معنى هذا الحديث مرفوعاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أول ما يُحاسَبُ به النَّاسُ يوم القِيَامَةِ من أعمالهم الصَّلاَةُ ، قال : يقول رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ للملائكة انْظُرُوا في صَلاَةِ عَبْدِي أتمَّهَا أم نَقَصَها ، فإن كانت تَامَّةً كتبت تَامَّةً ، وإن كان انتُقِصَ منها شيءٌ ، قال الله : انظروا هل لعبدي من تَطَوُّعٍ ؟ فإن كان له تَطَوَّع قال : أتموا لعبدي فَرِيضَتَهُ من تَطَوُّعِهِ ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك ) ، انتهى .

واللفظ لأبي داود ، وقال النسائي : ثم سائر الأعمال تجري على ذلك . انتهى من «التذكرة » .