اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرۡسِلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَنَسۡـَٔلَنَّ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (6)

القائمُ مقامَ الفاعِلِ الجار والمجرور وفي كيفيَّة النظم وجهان{[15767]} :

الأول : أنه تعالى لمَّا أمر الرَّسول أولاً بالتبليغ ثم أمر الأمة بالقَبُولِ ، والمتابعة ، وذكر التَّهْديد على ترك القبول والمتابعة ، بذكر نُزُولِ العذابِ في الدُّنْيَا - أتبعه بنوع آخر من التَّهْديدِ وهو أنه تعالى يسأل الكل عن كيفية أعمالهم يوم القيامة .

الثاني : أنه تعالى لما قال : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قالوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أتبعه أنه لا يقتصر على الاعتراف منهم يوم القيامة ، بل يَنْضَافُ إليه أنَّهُ تعالى يسأل الكُلَّ عن كيفيَّةِ أعمالهم ، وبين أن هذا السؤال لا يختصُّ بأهل العقاب ، بل هو عامٌّ بأهل العقابِ والثَّوابِ ، ونظيره قوله تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الحجر : 92 ، 93 ] .

فإن قيل : المقصود من السُّؤالِ أن يخبر المسئول عن كيفية أعمالهم ، وقد أخبر عنهم أنهم يقرون بأنهم كانوا ظَالمينَ فما فَائِدَةُ السُّؤال بعده ؟ وأيضاً قال تعالى بعد هذه الآية : { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ } [ الأعراف : 7 ] فإذا كان يقصُّه عليهم بعلم فما معنى هذا السؤال ؟

فالجواب : أنَّهُم لمَّا أقَرُّوا بأنهم كانُوا ظالمين مُقَصِّرين سألوا بعد ذلك عن سَبَبِ الظُّلْمِ ، والتَّقْصِيرِ ، والمقصود منه التَّقْريعُ والتَّوبيخُ .

فإن قيل ما الفائدة في السؤال الرُّسُلِ مع العلم بأنه لم يَصْدُر عنهم تقصير ألبتة ؟

فالجوابُ : لأنهم إذا اثبتوا أنه لم يَصْدُرْ عنهم تَقْصِيرٌ ألْبَتَّةَ التحق التَّقْصِيرُ كله بالأمَّةِ ، فيتضاعفُ إكرامُ اللَّه تعالى للرُّسل لظهور براءتهم عن جميع موجبات التَّقْصِير ، ويتضاعف الخِزْيُ والإهانَةُ في حقِّ الكفَّارِ ، ولما ثبت أنَّ ذلك التَّقْصِيرُ كان منهم .


[15767]:ينظر: تفسير الرازي 14/19-20.