اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

ثم إنه قوى نفسه ونفس{[37161]} قومه بأن وصف قوم موسى بالذم ، ووصف قوم نفسه بالمدح{[37162]} ، أما وصفه قوم موسى - عليه السلام {[37163]}- بالذم ، فقال :

{ إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ } [ معمول لقوم مضمر{[37164]} ]{[37165]} أي : قال : إنَّ هؤلاء ، وهذا القول يجوز أن يكون حالاً ، أي : أرسلهم قائلاً ذلك ، ويجوز أن يكون مفسراً ل «أَرْسَلَ » . والشِّرْذِمَةُ : الطائفة من الناس{[37166]} وقيل : كل بقية من شيء خسيس يقال لها : شرذمة{[37161]} . ويقال : ثوب شراذم ، أي : أخلاق ، قال :

3903 - جَاءَ الشِّتَاءُ وَقَمِيصِي أَخْلاقْ *** شَرَاذِمُ تَضْحَكُ مِنْهُ الخُلاقْ{[37162]}

وأنشد أبو عبيدة :

3904 - في شراذم النعال{[37169]} *** . . .

وجمع الشرذمة : شراذم ، فذكرهم بالاسم الدال على القلة ، ثم جعلهم قليلاً بالوصف ، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلاً ، واختار جمع السلامة الذي هو جمع القلة .

ويجوز أن يريد بالقلة : الذلة ، لا قلة العدو ، أي : إنهم لقلتهم لا يبالى بهم{[37170]} .

قال ابن عباس : كان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف مقاتل لا شاب فيهم دون عشرين{[37171]} سنة ، ولا شيخ{[37172]} يوفي على الستين سوى الحشم{[37173]} ، وفرعون يقللهم لكثرة من معه{[37174]} . وهذا الوصف قد استعمل في الكثير عند الإضافة إلى ما هو أكثر منه ، فروي أن فرعون خرج على فرس أدهم حصان وفي عسكره على لون فرسه ثمانمائة{[37175]} ألف{[37176]} .


[37161]:انظر مجاز القرآن 2/86.
[37162]:رجز مجهول القائل، وهو في معاني القرآن للفراء 1/427، 2/87، تفسير ابن عطية 11/111، القرطبي 13/101، اللسان (توق، خلق، شرذم)، البحر المحيط 7/3. الخزانة 1/234. وروي (النواق)، وهو الذي يروض الأمور ويصلحها. وروي (التواق) وهو ابن الشاعر. ويقال: نفس تواقة، أي: مشتاقة. أخلاق: جمع خلق، وهو البالي. ووصف المفرد بالجمع باعتبار أجزائه، الشراذم: جمع شرذمة، وهي الجماعة القليلة من الناس، وثياب شراذم: أخلاق متقطعة، وثوب شراذم: قطع، وجمع في البيت ثم وصف باعتبار أجزاء الثوب التي يتألف منها. وهذا موطن الشاهد.
[37163]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[37164]:انظر الكشاف 3/115.
[37165]:ما بين القوسين في ب: معمولاً لقول مضمراً.
[37166]:الصحاح (شرذم) 5/1960.
[37169]:قال أبو عبيده: ("إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون" أي: طائفة، وكل قليلة فهي شرذمة قال: يحذين في شراذم النعال *** ... أي مقطع النعال وبقاياها) مجاز القرآن 2/86. وهذا الجزء من البيت مجهول القائل، وهو في تفسير ابن عطية 11/111، البحر المحيط 7/3.
[37170]:انظر: الكشاف 3/115، الفخر الرازي 24/137.
[37171]:في ب: عشرون.
[37172]:في ب: ولا ينسخ. وهو تحريف.
[37173]:الحشم: خدم الرجل، سموا بذلك لأنهم يغضبون له. (اللسان: حشم).
[37174]:انظر الفخر الرازي 24/137.
[37175]:في الفخر الرازي: ثلثمائة.
[37176]:انظر الفخر الرازي 24/137.