التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

جملة { إن هؤلاء لشرذمة قليلون } مقول لقول محذوف لأن { حاشرين } يتضمن معنى النداء ، أي يقولون إن هؤلاء لَشِرْذِمة قليلون .

والإشارة ب { هؤلاء } إلى حاضر في أذهان الناس لأن أمر بني إسرائيل قد شاع في أقطار مصر في تلك المدة التي بين جمع السحرة وبين خروج بني إسرائيل ، وليست الإشارة للسحرة خاصة إذ لا يلتئم ذلك مع القصة .

وفي اسم الإشارة إيماء إلى تحقير لشأنهم أكده التصريح بأنهم شرذمة قليلون .

والشرذمة : الطائفة القليلة من الناس ، هكذا فسره المحققون من أئمة اللغة ، فإتْباعه بوصف { قليلون } للتأكيد لدفع احتمال استعمالها في تحقير الشأن أو بالنسبة إلى جنود فرعون ، فقد كان عدد بني إسرائيل الذين خرجوا ستمائة ألف ، هكذا قال المفسرون ، وهو موافق لما في سفر العدد من التوراة في الإصحاح السادس والعشرين .

و { قليلون } خبر ثان عن اسم الإشارة ، فهو وصف في المعنى لمدلول { هؤلاء } وليس وصفاً لشرذمة ولكنه مؤكد لمعناها ، ولهذا جيء به بصيغة جمع السلامة الذي هو ليس من جموع الكثرة .

و ( قليل ) إذا وصف به يجوز مطابقته لموصوفه كما هنا ، ويجوز ملازمته الإفرادَ والتذكير كما قال السموأل أو الحارثي :

وما ضرّنا أنا قَليل *** البيت . . .

ونظيره في ذلك لفظ ( كثير ) وقد جمعهما قوله تعالى : { إذ يُريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لَفَشِلْتم } [ الأنفال : 43 ] .