روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةٞ قَلِيلُونَ} (54)

{ إِنَّ هَؤُلآء } يريد بني إسرائيل والكلام على إدارة القول ، والظاهر أنه حال أي قائلاً إن هؤلاء { لَشِرْذِمَةٌ } أي طائفة من الناس ، وقيل : هي السفلة منهم ، وقيل : بقية كل شيء خسيس ، ومنه ثوب شرذام وشرذامة أي خلق مقطع ، قال الراجز :

جاء الشتاء وقميصي أخلاق *** شراذم يضحك منه التواق

وقرئ { لَشِرْذِمَةٌ } بإضافة شر مقابل خير إلى ذمة ، قال أبو حاتم : وهي قراءة من لا يئخذ منه ولم يروها أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قَلِيلُونَ } صفة شرذمة ، وكان الظاهر قليلة إلا أنه جمع باعتبار أن الشرذمة مشتملة على اسباط كل سبط منهم قليل ، وقد بالغ اللعين في قلتهم حيث ذكرهم أولاً باسم دال على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم وأتى بجمع السلامة وقد ذكر أنه دال على القلة ، واستقلهم بالنسبة إلى جنوده .

فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفاً لا يعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ، وقيل : أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة ، وهم كانوا على ما روى عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفاً ، وأنا أقول : إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين ، والأخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة . والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم .

وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم ، وقيل : الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس ، و { قَلِيلُونَ } إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن ، والظاهر ما تقدم .