في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} (14)

هنا - في مواجهة هذا المشهد - يعقب السياق القرآني بحقيقة ما هو كائن :

( فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة ) . .

والزجرة : هي الصيحة . ولكنها تقال هنا بهذا اللفظ العنيف تنسيقا لجو المشهد مع مشاهد السورة جميعا .

والساهرة هي الأرض البيضاء اللامعة . وهي أرض المحشر ، التي لا ندري نحن أين تكون . والخبر عنها لا نعرفه إلا من الخبر الصادق نتلقاه ، فلا نزيد عليه شيئا غير موثوق به ولا مضمون !

وهذه الزجرة الواحدة يغلب - بالاستناد إلى النصوص الأخرى - أنها النفخة الثانية . نفخة البعث والحشر . والتعبير عنها فيه سرعة . وهي ذاتها توحي بالسرعة . وإيقاع السورة كلها فيه هذا اللون من الإسراع والإيجاف . والقلوب الواجفة تأخذ صفتها هذه من سرعة النبض ، فالتناسق ملحوظ في كل حركة وفي كل لمحة ، وفي كل ظل في السياق !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} (14)

وقوله : فإذَا هُمْ بالسّاهرَةِ يقول تعالى ذكره : فإذا هؤلاء المكذّبون بالبعث ، المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم ، تكذيبا منهم بذلك ، بالساهرة ، يعني بظهر الأرض . والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض : ساهرة ، وأراهم سموا ذلك بها ، لأن فيه نوم الحيوان وسَهَرها ، فوصف بصفة ما فيه ومنه قول أُميّة بن الصّلْت :

وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ *** وَما فاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ

ومنه قول أخي نهم يوم ذي قار لفرسه :

أَقْدِمْ «مِحاجُ » إنها الأساوِرَهْ *** وَلا يَهُولَنّكَ رِجْلٌ نادِرَه

فإنّمَا قَصْرُكَ تُرْبُ السّاهِرَهْ *** ثُمّ تَعُودُ بَعْدَها فِي الْحافِرَهْ

*** مِنْ بَعْدِ ما كُنْتَ عِظاما ناخِرَهْ ***

واختلف أهل التأويل في معناها ، فقال بعضهم مثل الذي قلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : على الأرض ، قال : فذكر شعرا قاله أُمية بن أبي الصلت ، فقال :

*** عِنْدَنا صَيْدُ بَحْرِ وَصَيْدُ ساهِرَةٍ ***

حدثنا محمد بن عبد الله بن بَزِيع ، قال : حدثنا أبو محصن ، عن حصين ، عن عكرِمة ، في قوله : فإذَا هُمْ بالسّاهِرَة قال : الساهرة : الأرض ، أما سمعت : لهم صيد بحر ، وصيد ساهرة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ يعني : الأرض .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا عُمارة بن أبي حفصة ، عن عكرِمة ، في قوله فإذَا همْ بالسّاهرَةِ قال : فإذا هم على وجه الأرض ، قال : أو لم تسمعوا ما قال أُمية بن أبي الصلت لهم :

*** وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ ***

حدثنا عمارة بن موسى ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا عمارة ، عن عكرمة ، في قوله : فإذَا هُمْ بالسّاهِرةِ قال : فإذا هم على وجه الأرض ، قال أمية :

وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ

حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ فإذا هم على وجه الأرض .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن . قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بالسّاهِرَةِ قال : المكان المستوي .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، لما تباعد البعث في أعين القوم ، قال الله فإنّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ يقول : فإذا هم بأعلى الأرض ، بعد ما كانوا في جوفها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة بالسّاهِرَةِ قال : فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض ، والأرض : الساهرة ، قال : فإذا هم يخرجون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن خَصِيف ، عن عكرِمة وأبي الهيثم ، عن سعيد بن جُبير فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : بالأرض .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جُبير ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حصين ، عن عكرمة ، مثله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فإذَا هُمْ بالسّاهِرَة : وجه الأرض .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : الساهرة : ظهر الأرض فوق ظهرها .

وقال آخرون : الساهرة : اسم مكان من الأرض بعينه معروف . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سهل ، قال : ثني الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة ، قوله : فإنّمَا هيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : بالصّقْع الذي بين جبل حَسّان ، وجبل أرِيحاء ، يمدّه الله كيف يشاء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : أرض بالشام .

وقال آخرون : هو جبل بعينه معروف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الحسن بن بلال ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو سنان ، عن وهب ابن منبه ، قال في قول الله : فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : الساهرة : جبل إلى جنب بيت المقدس .

وقال آخرون : هي جهنم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، قال : ثني سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال : في جهنم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} (14)

فإذا هم بالساهرة فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها والساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم عين ساهرة للتي يجري ماؤها وفي ضدها نائمة أو لأن سالكها يسهر خوفا وقيل اسم لجهنم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} (14)

و { الساهرة } : وجه الأرض ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت : [ الوافر ]

وفيها لحم ساهرة وبحر*** وما فاهوا به فلهم مقيم{[11606]}

وقال وهب بن منبه : { الساهرة } : جبل بالشام يمده الله لحشر الناس يوم القيامة كيف شاء ، وقال أبو العالية وسفيان : { الساهرة } : أرض قريبة من بيت المقدس ، وقال قتادة : { الساهرة } : جهنم ، لأنه لا نوم لمن فيها وقال ابن عباس : { الساهرة } : أرض مكة ، وقال الزهري : { الساهرة } : الأرض كلها .


[11606]:هذا البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن، وهو في اللسان، والطبري، والقرطبي، والبحر المحيط، وفتح القدير، ومعاني القرآن، والساهرة: الأرض، قال الفراء: سميت بذلك لأن فيها الحيوان نومهم وسهرهم، ومقيم: دائم حاضر عندهم، يقول في وصف الجنة: إن فيها من اللحم من صيد الأرض ولحم البحر، وكل ما فاهت به أفواههم وجدوه حاضرا مقيما عندهم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} (14)

وفاء { فإذا هم بالساهرة } للتفريع على جملة { إنما هي زجرة واحدة } . و ( إذا ) للمفاجأة ، أي الحصول دون تأخير فحصل تأكيد معنى التفريع الذي أفادته الفاء وذلك يفيد عدم الترتب بين الزجرة والحصول في الساهرة .

والزَّجرة : المرَّة من الزجر ، وهو الكلام الذي فيه أمر أو نهي في حالة غضب ، يقال : زجر البعير ، إذا صاح له لينهض أو يسير ، وعبر بها هنا عن أمر الله بتكوين أجساد الناس الأموات تصويراً لما فيه من معنى التسخير لتعجيل التكوُّن . وفيه مناسبة لإِحياء ما كان هامداً كما يُبعث البعير البارك بزجرة ينهض بها سريعاً خوفاً من زاجره . وقد عبر عن ذلك بالصيحة في قوله تعالى : { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج } [ ق : 42 ] وهو الذي عبَّر عنه بالنفخ في الصُّور .

ووصفت الزجرة بواحدة تأكيداً لما في صيغة المرة من معنى الوحدة لئلا يتوهم أن إِفراده للنوعية ، وهذه الزجرة هي النفخة الثانية التي في قوله تعالى : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] فهي ثانية للتي قبلها ، وهي { الرادفة التي تقدم ذكرها آنفاً وإنما أريد بكونها واحدة أنها لا تُتبع بثانيةٍ لها ، وقد وصفت بواحدة في صورة الحاقة بهذا الاعتبار .

والساهرة : الأرض المستوية البيضاء التي لا نبات فيها يُختار مثلُها لاجتماع الجموع ووضْعِ المغانم . وأريد بها أرض يجعلها الله لجمع الناس للحشر .

والإِتيان ب ( إذا ) الفجائية للدلالة على سرعة حضورهم بهذا المكان عقب البعث .

وعطفها بالفاء لتحقيق ذلك المعنى الذي أفادته ( إذا ) لأن الجمع بين المفاجأة والتفريع أشد ما يعبر به عن السرعة مع إيجاز اللفظ .

والمعنى : أن الله يأمر بأمر التكوين بخلق أجسادٍ تحلّ فيها الأرواح التي كانت في الدنيا فتحضر في موقف الحشر للحساب بسرعة .