في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا} (14)

فكذبوا النذير فعقروا الناقة . والذي عقرها هو هذا الأشقى . ولكنهم جميعا حملوا التبعة وعدوا أنهم عقروها ، لأنهم لم يضربوا على يده ، بل استحسنوا فعلته . وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الإجتماعية في الحياة الدنيا . لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي حيث لا تزر وازرة وزر أخرى . على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر .

عندئذ تتحرك يد القدرة لتبطش البطشة الكبرى : ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) . .

والدمدمة الغضب وما يتبعه من تنكيل . واللفظ ذاته . . ( دمدم )يوحي بما وراءه ، ويصور معناه بجرسه ، ويكاد يرسم مشهدا مروعا مخيفا ! وقد سوى الله أرضهم عاليها بسافلها ، وهو المشهد الذي يرتسم بعد الدمار العنيف الشديد . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا} (14)

وقوله : فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها يقول : فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به ، من أن الله الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما ، ولهم شربُ يوم معلوم ، وأن اللّهُ يحِلّ بهم نقمته ، إن هم عقروها ، كما وصفهم جلّ ثناؤه فقال : كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقَارِعَةِ ، وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز تقديم التكذيب قبل العقر ، والعقر قبل التكذيب ، وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده ، كقول القائل : أعطيت فأحسنت ، وأحسنت فأعطيت ، لأن الإعطاء : هو الإحسان ، ومن الإحسان الإعطاء ، وكذلك لو كان العَقْر هو سبب التكذيب ، جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم . وقد زعم بعضهم أن قوله : فَكَذّبُوهُ كلمة مكتفية بنفسها ، وأن قوله : فَعَقَرُوها جواب لقوله : إذِ انْبَعَث أشْقاها كأنه قيل : إذ انبعث أشقاها فعقرها ، فقال : وكيف ؟ قيل فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلّمين ، لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم آخر . قيل : جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك ، أجمعوا على منعها الشربَ ، ورضُوا بقتلها ، وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها ، وعَقَرها مَنْ عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم ، فقال جلّ ثناؤه : فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها .

وقوله : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها يقول تعالى ذكره : فدمّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك ، وكفّرهم به ، وتكذيبهم رسوله صالحا ، وعَقْرهم ناقته فَسَوّاها يقول : فَسوّى الدمدمة عليهم جميعهم ، فلم يُفْلِت منهم أحد ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها ذُكر لنا أن أحيمرَ ثمود أبى أن يعقِرَها ، حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم ، وذَكَرُهم وأنثاهم ، فلما اشترك القومُ في عَقْرها دمدم الله عليهم بذنبهم فسوّاها .

حدثني بشر بن آدم ، قال : حدثنا قُتيبة ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : سمعت الحسن يقول : لما عقروا الناقةَ طلبوا فَصِيلَها ، فصار في قارة الجبل ، فقطع اللّهُ قلوبَهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا} (14)

فكذبوه فيما حذرهم منه من حلول العذاب إن فعلوا فعقروها فدمدم عليهم ربهم فأطبق عليهم العذاب وهو من تكرير قولهم ناقة مدمومة إذا ألبسها الشحم بذنبهم بسببه فسواها فسوى الدمدمة بينهم أو عليهم فلم يفلت منهم صغير ولا كبير أو ثمود بالإهلاك .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَيۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ فكذبوه } بما جاء به { فعقروها } يعني قتلوا الناقة فحل بهم العذاب ، قال :{ فدمدم عليهم ربهم } . ثم قال :{ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم } يقول : إنما كان بذنبهم ،...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها" يقول : فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به ، من أن الله الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما ، ولهم شربُ يوم معلوم ، وأن اللّه يحِلّ بهم نقمته ، إن هم عقروها ، كما وصفهم جلّ ثناؤه فقال : "كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقَارِعَةِ" ، وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز تقديم التكذيب قبل العقر ، والعقر قبل التكذيب ، وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده ، كقول القائل : أعطيت فأحسنت ، وأحسنت فأعطيت ، لأن الإعطاء : هو الإحسان ، ومن الإحسان الإعطاء ، وكذلك لو كان العَقْر هو سبب التكذيب ، جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم .

وقد زعم بعضهم أن قوله : "فَكَذّبُوهُ" كلمة مكتفية بنفسها ، وأن قوله : فَعَقَرُوها جواب لقوله : إذِ انْبَعَث أشْقاها كأنه قيل : إذ انبعث أشقاها فعقرها ، فقال : وكيف ؟ قيل فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلّمين ، لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم آخر . قيل : جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك ، أجمعوا على منعها الشربَ ، ورضُوا بقتلها ، وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها ، وعَقَرها مَنْ عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم ، فقال جلّ ثناؤه : "فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها" .

وقوله : "فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها" يقول تعالى ذكره : فدمّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك ، وكفرهم به ، وتكذيبهم رسوله صالحا ، وعَقْرهم ناقته "فَسَوّاها" يقول : فَسوّى الدمدمة عليهم جميعهم ، فلم يُفْلِت منهم أحد ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل أن يكون كذبوا صالحا عليه السلام في رسالته ، أو كذبوه في ما أخبرهم من حلول العذاب بهم إذا عقروا الناقة ، فعقروها مع ذلك .

وقوله تعالى : { فدمدم عليهم ربهم } قال بعضهم : أي أطبق عليهم العذاب على الصغير والكبير ...وقال بعضهم : دمدم عليهم أي دمر عليهم { ربهم بذنبهم } وذنبهم ما تعدوا من تكذيبهم الرسول وعقرهم الناقة .

وقوله تعالى { فسواها } يحتمل وجهين :

أحدهما : أنه سواهم بالأرض كقوله عز وجل : { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض } [ النساء : 42 ] .

الثاني : أنه سوى بين الصغير والكبير في الإهلاك ، فالصغار منهم يومئذ ماتوا بآجالهم ، والكبار منهم استؤصلوا بذنوبهم . ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

( فكذبوه ) أي كذب قوم صالح صالحا ولم يلتفتوا إلى قوله ( فعقروها ) يعني الناقة . فالعقر قطع اللحم بما يسيل الدم....وعاقر الناقة أحمر ثمود ، وهم يرونه وكلهم رضوا بفعله . فعمهم البلاء بأن عاقبهم الله تعالى لرضاهم بفعله . وقوله ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) معناه أهلكهم الله تعالى عقوبة على ذنوبهم من تكذيب صالح وعقر الناقة ..... ( فسواها ) أي جعل بعضها على مقدار بعض في الاندكاك واللصوق بالأرض ، فالتسوية تصيير الشيء على مقدار غيره ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{ بِذَنبِهِمْ } بسبب ذنبهم . وفيه إنذار عظيم بعاقبة الذنب ، فعلى كل مذنب أن يعتبر ويحذر ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فعقروها } أي بسبب ذلك التكذيب بعضهم بالفعل وبعضهم بالرضا به { فدمدم } أي عذب عذاباً تاماً مجلّلاً مغطياً مطبقاً مستأصلاً شدخ به رؤوسهم وأسرع في الإجهاز وطحنهم طحناً مع الغضب الشديد ؛ قال الرازي : والدمدمة : تحريك البناء حتى ينقلب ، ودل بأداة الاستعلاء على شدته وإحاطته فقال : { عليهم } ودل على شدة العذاب لشدة الغضب بلفت القول بذكر صفة الإحسان التي كفروها لأنه لا أشد غضباً ممن كفر إحسانه فقال : { ربهم } أي الذي أحسن إليهم فغرَّهم إحسانه فقطعه عنهم فعادوا كأمس الدابر { بذنبهم } أي بسببه . ولما استووا في الظلم والكفر بسبب عقر الناقة بعضهم بالفعل وبعضهم بالرضا والحث ، قال مسبباً عن ذلك ومعقباً : { فسواها } أي الدمدمة عليهم فجعلها كأنها أرض بولغ في تعديلها فلم يكن فيها شيء خارج عن شيء كما سوى الشمس المقسم بها وسوى بين الناس فيها ، وكذا ما أقسم به بعدها ، فكانت الدمدمة على قويهم كما كانت على ضعيفهم ، فلم تدع منهم أحداً ولم يتقدم هلاك أحد منهم على أحد ، بل كانوا كلهم كنفس واحدة من قوة الصعقة وشدة الرجفة...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ) . . والدمدمة الغضب وما يتبعه من تنكيل . واللفظ ذاته . . ( دمدم )يوحي بما وراءه ، ويصور معناه بجرسه ، ويكاد يرسم مشهدا مروعا مخيفا ! وقد سوى الله أرضهم عاليها بسافلها ، وهو المشهد الذي يرتسم بعد الدمار العنيف الشديد . . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ويلاحظ أنّ قاتل الناقة شخص واحد أشارت إليه الآية بأشقاها ، بينما نسب العقر إلى كلّ طغاة قوم ثمود : «فعقروها » ، وهذا يعني أنّ كلّ هؤلاء القوم كانوا مشاركين في الجريمة ، وذلك أوّلاً : لأنّ مثل هذه المؤامرات يخطط لها مجموعة ثمّ ينفذها فرد واحد أو أفراد . وثانياً : لأنّ هذه الجريمة تمّت برضا القوم فهم شركاء في الجريمة بهذا الرضا ، ... و«سوّاها » من التسوية وهي تسوية الأبنية بالأرض نتيجة صيحة عظيمة وصاعقة وزلزلة ، أو بمعنى إنهاء حالة هؤلاء القوم ، أو تسويتهم جميعاً في العقاب والعذاب ، حتى لم يسلم أحد منهم . ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه المعاني . الضمير في «سوّاها » يعود إلى قبيلة ثمود ، وقد يعود إلى مدنهم وقراهم التي سوّاها ربّ العالمين مع الأرض . وقيل إنّ الضمير يعود إلى مصدر «دمدم » أي إنّ اللّه سوّى غضبه وسخطه على القوم ليشملهم جميعاً على حدٍّ سواء ، والتّفسير الأوّل أنسب . ومن الآية نستنتج بوضوح أنّ عقاب هؤلاء القوم كان نتيجة لذنوبهم وكان متناسباً مع تلك الذنوب ، وهذا عين الحكمة والعدالة . في تاريخ الأمم نرى غالباً بروز حالة الندم فيهم حين يرون آثار العذاب ولجوءهم إلى التوبة ، أمّا قوم ثمود ، فالغريب أنّهم حين رأوا علامات العذاب طفقوا يبحثون عن نبيّهم صالح ليقتلوه . وهذا دليل على ارتكاسهم في العصيان والطغيان أمام اللّه ورسوله . لكن اللّه نجّا صالحاً وأهلك قومه شرّ إهلاك . ...