في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ} (43)

37

ثم يربط السياق بين القرآن وسائر الوحي قبله ؛ وبين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وسائر الرسل قبله . ويجمع اسرة النبوة كلها في ندوة واحدة تتلقى من ربها حديثاً واحداً ، ترتبط به أرواحها وقلوبها ، وتتصل به طريقها ودعوتها ؛ ويحس المسلم الأخير أنه فرع من شجرة وارفة عميقة الجذور ، وعضو من أسرة عريقة قديمة التاريخ :

( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك . إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) . .

إنه وحي واحد ، ورسالة واحدة ، وعقيدة واحدة . وإنه كذلك استقبال واحد من البشرية ، وتكذيب واحد ، واعتراضات واحدة . . ثم هي بعد ذلك وشيجة واحدة ، وشجرة واحدة ، وأسرة واحدة ، وآلام واحدة ، وتجارب واحدة ، وهدف في نهاية الأمر واحد ، وطريق واصل ممدود .

أي شعور بالأنس ، والقوة ، والصبر ، والتصميم . توحيه هذه الحقيقة لأصحاب الدعوة ، السالكين في طريق سار فيها من قبل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم جميعاً - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ?

وأي شعور بالكرامة والاعتزاز والاستعلاء على مصاعب الطريق وعثرتها وأشواكها وعقباتها ، وصاحب الدعوة يمضي وهو يشعر أن اسلافه في هذا الطريق هم تلك العصبة المختارة من بني البشر أجمعين ?

إنها حقيقة : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) . . ولكن أي آثار هائلة عميقة ينشئها استقرار هذه الحقيقة في نفوس المؤمنين ?

وهذا ما يصنعه هذا القرآن ، وهو يقرر مثل هذه الحقيقة الضخمة ويزرعها في القلوب .

ومما قيل للرسل وقيل لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] خاتم الرسل :

( إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) . .

ذلك كي تستقيم نفس المؤمن وتتوازن . فيطمع في رحمة الله ومغفرته فلا ييأس منها أبداً . ويحذر عقاب الله ويخشاه فلا يغفل عنه أبداً .

إنه التوازن طابع الإسلام الأصيل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { مّا يُقَالُ لَكَ إِلاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنّ رَبّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ما يقول لك هؤلاء المشركون المكذّبون ما جئتهم به من عند ربك إلا ما قد قاله من قبلهم من الأمم الذين كانوا من قبلك ، يقول له : فاصبر على ما نالك من أذى منهم ، كما صبر أولو العزم من الرسل ، وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الحُوتِ ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ما يُقالُ لَكَ إلاّ ما قَدْ قِيلَ للرّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمعون ، يقول : كَذَلكَ ما أتَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلاّ قالُوا ساحِرٌ أوْ مَجْنُونٌ .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ في قوله : ما يُقالُ لَكَ إلاّ ما قَدْ قِيلَ للرّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ قال : ما يقولون إلا ما قد قال المشركون للرسل من قبلك .

وقوله : إنّ رَبّك لَذُو مَغْفِرَةٍ يقول : إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبين إليه من ذنوبهم بالصفح عنهم وَذُو عِقابٍ ألِيمٍ يقول : وهو ذو عقاب مؤلم لمن أصر على كفره وذنوبه ، فمات على الإصرار على ذلك قبل التوبة منه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ} (43)

{ ما يقال لك } أي ما يقول لك كفار قومك . { إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } إلا مثل ما قال لهم كفار قومهم ، ويجوز أن يكون المعنى ما يقول الله لك إلا مثل ما قال لهم . { إن ربك لذو مغفرة } لأنبيائه . { وذو عقاب أليم } لأعدائهم ، وهو على الثاني يحتمل أن يكون المقول بمعنى أن حاصل ما أوحي إليك وإليهم ، وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة .