ثم يزيد المترفون هنا إنكار البعث بعد الموت والبلى ؛ ويعجبون من هذا الرسول الذي ينبئهم بهذا الأمر الغريب .
أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ? هيهات هيهات لما توعدون : إن هي إلا حياتنا الدنيا ، نموت و نحيا ، وما نحن بمبعوثين . .
ومثل هؤلاء لا يمكن أن يدركوا حكمة الحياة الكبرى ؛ ودقة التدبير في أطوارها للوصول بها إلى غايتها البعيدة . هذه الغاية التي لا تتحقق بكمالها في هذه الأرض . فالخير لا يلقى جزاءه الكامل في الحياة الدنيا . والشر كذلك . إنما يستكملان هذا الجزء هنالك ، حيث يصل المؤمنون الصالحون إلى قمة الحياة المثلى ، التي لا خوف فيها ولا نصب ، ولا تحول فيها ولا زوال - إلا أن يشاء الله - ويصل المرتكسون المنتكسون إلى درك الحياة السفلية التي تهدر فيها آدميتهم ، ويرتدون فيها أحجارا ، أو كالأحجار !
مثل هؤلاء لا يدركون هذه المعاني ؛ ولا يستدلون من أطوار الحياة الأولى - التي سبقت في السورة - على أطوارها الأخيرة ؛ ولا ينتبهون إلى أن القوة المدبرة لتلك الأطوار لا تقف بالحياة عند مرحلة الموت والبلى كما يظنون . . لذلك هم يستعجبون ويعجبون من ذلك الذي يعدهم أنهم مخرجون ؛ ويستبعدون في جهالة أن ذلك يكون ؛ ويجزمون في تبجح بأن ليس هنالك إلا حياة واحدة وموت واحد . يموت جيل ويحيا بعده جيل . فأما الذين ماتوا ، وصاروا ترابا وعظاما ، فهيهات هيهات الحياة لهم ، كما يقول ذلك الرجل الغريب !
قوله : أيَعِدُكُمْ أنّكُمْ إذَا مِتّمْ وكُنْتُمْ تُرَابا وَعِظاما . . . الاَية ، يقول تعالى ذكره : قالوا لهم : أيعدكم صالح أنكم إذا متم وكنتم ترابا في قبوركم وعظاما قد ذهبت لحوم أجسادكم وبقيت عظامها ، أنكم مخرجون من قبوركم أحياء كما كنتم قبل مماتكم ؟ وأعيدت «أنكم » مرّتين ، والمعنى : أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون مرّة واحدة ، لما فرق بين «أنكم » الأولى وبين خبرها ب«إذا » ، وكذلك تفعل العرب بكل اسم أوقعت عليه الظنّ وأخواته ، ثم اعترضت بالجزاء دون خبره ، فتكرّر اسمه مرّة وتحذفه أخرى ، فتقول : أظنّ أنك إن جالستنا أنك محسن ، فإن حذفت «أنك » الأولى الثانية صلح ، وإن أثبتهما صلح ، وإن لم تعترض بينهما بشيء لم يجز ، خطأ أن يقال : أظنّ أنك أنك جالس . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «أيَعِدُكُمْ إذَا مِتّمْ وكُنْتُمْ تُرَابا وَعِظاما أنّكُمْ مُخْرَجُونَ » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.