في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ} (18)

17

( وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ؛ وإنا على ذهاب به لقادرون ) . .

وهنا تتصل تلك الطرائق السبع بالأرض . فالماء نازل من السماء ؛ وله علاقة بتلك الأفلاك . فتكوين الكون على نظامه هذا ، هو الذي يسمح بنزول الماء من السماء ، ويسمح كذلك بإسكانه في الأرض .

ونظرية أن المياه الجوفية ناشئة من المياه السطحية الآتية من المطر ؛ وأنها تتسرب إلى باطن الأرض فتحفظ هناك . . نظرية حديثة . فقد كان المظنون إلى وقت قريب أنه لا علاقة بين المياه الجوفية والمياه السطحية . ولكن ها هو ذا القرآن الكريم يقرر هذه الحقيقة قبل ألف وثلاث مائة عام .

( وأنزلنا من السماء ماء بقدر ) . . بحكمة وتدبير ، لا أكثر فيغرق ويفسد ؛ ولا أقل فيكون الجدب والمحل ؛ ولا في غير أوانه فيذهب بددا بلا فائدة . .

( فأسكناه في الأرض ) . . وما أشبهه وهو مستكن في الأرض بماء النطفة وهو مستقر في الرحم .

( في قرار مكين ) . . كلاهما مستقر هنالك بتدبير الله لتنشأ عنه الحياة . . وهذا من تنسيق المشاهد على طريقة القرآن في التصوير . .

( وإنا على ذهاب به لقادرون ) . . فيغور في طبقات الأرض البعيدة بكسر أو شق في الطبقات الصخرية التي استقر عليها فحفظته . أو بغير هذا من الأسباب . فالذي أمسكه بقدرته قادر على تبديده وإضاعته . إنما هو فضل الله على الناس ونعمته .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الأرْضِ وَإِنّا عَلَىَ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وأنزلنا من السماء ما في الأرض من ماء ، فأسكناه فيها . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : وأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فأسْكَنّاهُ فِي الأرْضِ ماء هو من السماء .

وقوله : وَإنّا على ذهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ يقول جلّ ثناؤه : وإنا على الماء الذي أسكناه في الأرض لقادرون أن نذهب به فتهلكوا أيها الناس عطشا وتخرب أرضوكم ، فلا تنبت زرعا ولا غرسا ، وتهلك مواشيكم ، يقول : فمن نعمتي عليكم تركي ذلك لكم في الأرض جاريا .