في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (63)

59

ثم يمضي السياق إلى بعض الحقائق الأخرى الممثلة في حياة الناس ونشاطهم على هذا الكوكب ، ومشاهداتهم التي لا تنكر :

( أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ، ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ? أإله مع الله ? تعالى الله عما يشركون ! ) . . .

والناس - ومنهم المخاطبون أول مرة بهذا القرآن - يسلكون فجاج البر والبحر في أسفارهم ؛ ويسبرون أسرار البر والبحر في تجاربهم . . ويهتدون . . فمن يهديهم ? من أودع كيانهم تلك القوى المدركة ? من أقدرهم على الاهتداء بالنجوم وبالآلات وبالمعالم ? من وصل فطرتهم بفطرة هذا الكون ، وطاقاتهم بأسراره ? من جعل لآذانهم تلك القدرة على التقاط الأصوات ، ولعيونهم تلك القدرة على التقاط الأضواء ? ولحواسهم تلك القدرة على التقاط المحسوسات ? ثم جعل لهم تلك الطاقة المدركة المسماة بالعقل أو القلب للإنتفاع بكل المدركات ، وتجميع تجارب الحواس والإلهامات ?

من ? أإله مع الله ?

( ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ? ) . .

والرياح مهما قيل في أسبابها الفلكية والجغرافية ، تابعة للتصميم الكوني الأول ، الذي يسمح بجريانها على النحو الذي تجري به ، حاملة السحب من مكان إلى مكان ، مبشرة بالمطر الذي تتجلى فيه رحمة الله ، وهو سبب الحياة .

فمن الذي فطر هذا الكون على خلقته ، فأرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ? من ?

( أإله مع الله ? ) . . ( تعالى الله عما يشركون ! ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلََهٌ مّعَ اللّهِ تَعَالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أم ما تشركون بالله خير ، أم الذي يهديكم في ظلمات البرّ والبحر إذا ضللتم فيهما الطريق ، فأظلمت عليكم السبل فيهما ؟ كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { أمّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ } والظّلمات في البر ، ضلاله الطريق ، والبحر ، ضلاله طريقه وموجه وما يكون فيه . قوله : { وَمَنْ يُرْسِلُ الرّياحَ نُشْرا بينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يقول : والذي يرسل الرياح نشرا لموتان الأرض بين يدي رحمته ، يعني : قدام الغيث الذي يحيى موات الأرض . وقوله : { أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ تَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } يقول تعالى ذكره : أءله مع الله سوى الله يفعل بكم شيئا من ذلك فتعبدوه من دونه ، أو تشركوه في عبادتكم إياه تَعَالى اللّهُ يقول : لله العلوّ والرفعة عن شرككم الذي تشركون به ، وعبادتكم معه ما تعبدون .