في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

( وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) . .

ثم ماذا ? ماذا ينتظر هذا الأتقى ، الذي يؤتي ماله تطهرا ، وابتغاء وجه ربه الأعلى ? إن الجزاء الذي يطالع القرآن به الأرواح المؤمنة هنا عجيب . ومفاجئ . وعلى غير المألوف .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

{ وما لأحد عنده من نعمة تجزى } وذلك أن الكفار قالوا لما اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالا فأعتقه ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد كانت عنده لبلال فقال الله تعالى وما لأحد عنده من نعمة تجزى أي لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

قوله تعالى : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " أي ليس يتصدق ليجازي على نعمة ، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى ، أي المتعالي " ولسوف يرضى " أي بالجزاء . فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : عذب المشركون بلالا ، وبلال يقول أحد أحد ، فمر به النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : [ أحد - يعني اللّه تعالى - ينجيك ] ثم قال لأبي بكر : [ يا أبا بكر إن بلالا يعذب في اللّه ] فعرف أبو بكر الذي يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فانصرف إلى منزله ، فأخذ رطلا من ذهب ، ومضى به إلى أمية بن خلف ، فقال له : أتبيعني بلالا ؟ قال : نعم ، فاشتراه فأعتقه . فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده ، فنزلت " وما لأحد عنده " أي عند أبي بكر " من نعمة " ، أي من يد ومنة ، " تجزى " بل " ابتغاء " بما فعل " وجه ربه الأعلى " . وقيل : اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالا ، ببردة وعشر أواق ، فأعتقه لله ، فنزلت : " إن سعيكم لشتى " [ الليل : 4 ] . وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر : أتبيعنيه ؟ فقال : نعم ، أبيعه بنسطاس ، وكان نسطاس عبدا لأبي بكر ، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش ، وكان مشركا ، فحمله أبو بكر على الإسلام ، على أن يكون ماله ، فأبى ، فباعه أبو بكر به . فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده ، فنزلت " وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء " أي لكن ابتغاء ، فهو استثناء منقطع ؛ فلذلك نصبت . كقولك : ما في الدار أحد إلا حمارا . ويجوز الرفع . وقرأ يحيى بن وثاب " إلا ابتغاء وجه ربه " بالرفع ، على لغة من يقول : يجوز الرفع في المستثنى . وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم :

أضحت خلاءً قِفَاراً لا أنيسَ بها *** إلا الجآذرَ والظلمانَ تختلفُ{[16125]}

وقول القائل :

وبلدة ليس بها أنيس *** إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ{[16126]}

وفي التنزيل : " ما فعلوه إلا قليل منهم{[16127]} " [ النساء : 66 ] وقد تقدم . " وجه ربه الأعلى " أي مرضاته وما يقرب منه . و " الأعلى " من نعت الرب الذي استحق صفات العلو . ويجوز أن يكون " ابتغاء وجه ربه " مفعولا له على المعنى ؛ لأن معنى الكلام : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمته . " ولسوف يرضى " أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضي ، وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق . وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : [ رحم اللّه أبا بكر زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالا من ماله ] . ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال : هل اشتريتني لعملك أو لعمل اللّه ؟ قال : بل لعمل اللّه قال : فذرني وعمل اللّه ، فأعتقه . وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي اللّه عنه . وقال عطاء - وروى عن ابن عباس - : إن السورة نزلت في أبي الدحداح ، في النخلة التي اشتراها بحائط له ، فيما ذكر الثعلبي عن عطاء . وقال القشيري عن ابن عباس : بأربعين نخلة ، ولم يسم الرجل . قال عطاء : كان لرجل من الأنصار نخلة ، يسقط من بلحها في دار جار له ، فيتناول صبيانه ، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم . [ تبيعها بنخلة في الجنة ] ؟ فأبى ، فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال : هل لك أن تبيعنيها ب " حسنى " : حائط له . فقال : هي لك . فأتى أبو الدحداح إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال : يا رسول اللّه ، اشترها مني بنخلة في الجنة . قال : [ نعم ، والذي نفسي بيده ] فقال : هي لك يا رسول اللّه ، فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم جار الأنصاري ، فقال : [ خذها ] فنزلت " والليل إذا يغشى " [ الليل : 1 ] إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة . " فأما من أعطى واتقى " يعني أبا الدحداح . " وصدق بالحسنى " أي بالثواب . " فسنيسره لليسرى " : يعني الجنة . " وأما من بخل واستغنى " يعني الأنصاري . " وكذب بالحسنى " أي بالثواب . " فسنيسره للعسرى " ، يعني جهنم . " وما يغني عنه ماله إذا تردى " أي مات . إلى قوله : " لا يصلاها إلا الأشقى " يعني بذلك الخزرجي ، وكان منافقا ، فمات على نفاقه . " وسيجنبها الأتقى " يعني أبا الدحداح . " الذي يؤتي ماله يتزكى " في ثمن تلك النخلة . " ما لأحد عنده من نعمة تجزى " يكافئه عليها ، يعني أبا الدحداح .


[16125]:الجآذر (جمع جؤذر) وهو ولد البقرة الوحشية. والظلمان ( بالكسر والضم): جمع الظليم، وهو الذكر من النعام.
[16126]:اليعافير: جمع يعفور: وهو ولد الظبية، وولد البقرة الوحشية أيضا. والعيس: إبل بيض تخالط بياضها شقرة، جمع أعيس وعيساء.
[16127]:آية 66 سورة النساء. راجع جـ 5 ص 270.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

ولما كان الإنسان قد يعطي ليزكي نفسه بدفع مانّه ومكافأة نعمه قال : { وما } أي والحال أنه ما { لأحد عنده } وأعرق في النفي فقال : { من نعمة تجزى * } أي هي مما يحق جزاؤه لأجلها .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

قوله : { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } ليس لأحد من الناس عليه فضل فيبذل ماله وعطاءه في مجازاته . أو ليس بذله الخير في مقابلة ما أسدي إليه من معروف ، وإنما كان ذلك { ابتغاء وجه ربه الأعلى } .