في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح مكية وآياتها ثمان

نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها . فيها ظل العطف الندي . وفيها روح المناجاة الحبيب . وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرج . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق . .

( ألم نشرح لك صدرك ? ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ? ورفعنا لك ذكرك ? )

وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها ، ومن العقبات الوعرة في طريقها ؛ ومن الكيد والمكر المضروب حولها . . توحي بأن صدره [ صلى الله عليه وسلم ] كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة ، وأنه كان يحس العبء فادحا على كاهله . وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد وزاد ورصيد . .

ثم كانت هذه المناجاة الحلوة ، وهذا الحديث الودود !

( ألم نشرح لك صدرك ? ) . . ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ? ونيسر لك أمرها ? . ونجعلها حبيبة لقلبك ، ونشرع لك طريقها ? وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !

فتش في صدرك - ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور ? واستعد في حسك مذاق هذا العطاء ، وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب ، واليسر مع كل عسر ، والرضى مع كل حرمان ?

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ثماني آيات

{ ألم نشرح لك صدرك } ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة هذا استفهام معناه التقرير .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجميع . وهي ثماني آيات .

قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك }

شرح الصدر : فتحه ، أي ألم نفتح صدرك للإسلام . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : ألم نلين لك قلبك . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول اللّه ، أينشرح الصدر ؟ قال : [ نعم وينفسح ] . قالوا : يا رسول اللّه ، وهل لذلك علامة ؟ قال : [ نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاعتداد للموت ، قبل نزول الموت ] . وقد مضى هذا المعنى في " الزمر " {[16163]} عند قوله تعالى : " أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه " . وروي عن الحسن قال : " ألم نشرح لك صدرك " قال : مُلئ حكما وعلما . وفي الصحيح{[16164]} عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول : أحد الثلاثة{[16165]} فأُتيت بطست من ذهب ، فيها ماء زمزم ، فشرح صدري إلى كذا وكذا ) قال قتادة : قلت : ما يعني ؟ قال : إلى أسفل بطني ، قال : [ فاستخرج قلبي ، فغسل قلبي بماء زمزم ، ثم أعيد مكانه ، ثم حشي إيمانا وحكمة ] . وفي الحديث قصة . وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( جاءني ملكان في صورة طائر ، معهما ماء وثلج ، فشرح أحدهما صدري ، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله ) . وفي حديث آخر قال : [ جاءني ملك فشق عن قلبي ، فاستخرج منه عذرة{[16166]} ، وقال : قلبك وكيع ، وعيناك بصيرتان ، وأذناك سميعتان ، أنت محمد رسول اللّه ، لسانك صادق ، ونفسك مطمئنة ، وخلقك قثم ، وأنت قيم ] . قال أهل اللغة : قوله [ وكيع ] أي يحفظ ما يوضع فيه . يقال : سقاء وكيع ، أي قوي يحفظ ما يوضع فيه . واستوكعت معدته ، أي قويت وقوله : [ قثم ] أي جامع . يقال : رجل قثوم للخير ، أي جامع له . ومعنى " ألم نشرح " قد شرحنا . الدليل على ذلك قوله في النسق عليه : " ووضعنا عنك وزرك " ، فهذا عطف على التأويل ، لا على التنزيل ؛ لأنه لو كان على التنزيل لقال : ونضع عنك وزرك . فدل هذا على أن معنى " ألم نشرح " : قد شرحنا . و " لم " جحد ، وفي الاستفهام طرف من الجحد ، وإذا وقع جحد ، رجع إلى التحقيق ، كقوله تعالى : " أليس الله بأحكم الحاكمين{[16167]} " [ التين : 8 ] . ومعناه : اللّه أحكم الحاكمين . وكذا " أليس الله بكاف عبده " {[16168]} [ الزمر : 36 ] . ومثله قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :

ألستم خيرَ من رَكِبَ المطايا *** وأنْدَى العالمين بطونَ راحِ

المعنى : أنتم كذا .


[16163]:راجع جـ 95 ص 247.
[16164]:وهذه رواية الترمذي في كتاب التفسير.
[16165]:في صحيح مسلم: "أحد الثلاثة بين الرجلين" روى أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما معه حينئذ عمه حمزة بن عبد المطلب وابن عمه جعفر ابن أبي طالب. راجع شرح هذا الحديث في صحيح مسلم (باب الإسراء). وفي شرح القسطلاني في كتاب بدء الخلق (باب ذكر الملائكة).
[16166]:كذا في بعض نسخ الأصل. وفي بعضها الآخر: "غدرة" بالغين المعجمة والدال المهملة. ولم نقف على هذا اللفظ لغير القرطبي. ولعله محرف عن (علقة).
[16167]:آية 8 سورة التين.
[16168]:آية 36 سورة الزمر.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

لما أمره صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصلها في هذه السورة فقال مثبتاً لها في استفهام إنكاري مبالغة في إثباتها عند من ينكرها والتقرير بها مقدماً المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بالمغفرة كما فعل ذلك في سورة الفتح الذي هو نتيجة الشرح ، لتكون البشارة بالإكرام أولاً لافتاً القول إلى مظهر العظمة تعظيماً للشرح . { ألم نشرح } أي شرحاً يليق بعظمتنا { لك } أي خاصة .

ولما عين المشروح له ، فكان المشروح مبهماً ، فزاد تشوف النفس إليه ليكون أضخم له ، بينه ليكون بياناً بعد إبهام فيكون أعظم في التنويه به وأجل في التعريف بأمره فقال : { صدرك * } أي نسره ونفرحه بالهجرة ، فإن هذه السورة مدنية عند ابن عباس رضي الله عنهما ، ونجله ونعظمه ونخرج منه قلبك ونشقه ونغسله ونملأه إيماناً وحكمة ورأفة وعلماً ورحمة ، فانفسح جداً حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، فكان مع الحق بعظمته وارتفاعه ، ومع الخلق بفيض أنواره وشعاعه ، وقد كان هذا الشرع حقيقة مراراً ، وكان مجازاً أيضاً بإحلال جميع معانيه ، وكل ذلك على ما لا يدخل تحت الوصف لا يعبر لكم عنه بأكثر من أنه شق بعظمتنا ، فالعلم الذي شق به معرفة الله والدار الآخرة والدين والدنيا ، والحكمة التي درّت فيه هي وضع الشيء في محله ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وقرأ أبو جعفر المنصور بفتح جاء " نشرح " ، وخرجها ابن عطية على التأكيد بالنون الخفيفة ثم أبدل الألف من النون ، ثم حذف النون تخفيفاً ، وقال أبو حيان بأن اللحياني حكى في نوادره عن بعض العرب النصب بلم والجزم بلن ، وسره هنا أن الفتح في اللفظ مناسب غاية المناسبة للشرح ، ووجه قراءة الجمهور أنه لما دل على الفتح بالشرح دل بالجزم على أنه مع ذلك رابط لما أودعه من الحكم ضابط له ، هاد بما فيه من رزانة العلم ، ووقار التقى والحلم ، قال ابن برجان : ففرق ما بين النبي والولي في ذلك أن النبي شرح صدره ظاهراً فأعلى ظاهراً ، والولي شرح ذلك منه باطناً فعلى به باطناً ، والكافر ضيق ذلك منه وأبقى بظلمته وحظوظ الشيطان منه ، فهو لا يستطيع قبول الهداية ولا الصعود في معارج العبرة إلا على مقدار ما يستطيع الصعود في السماء

{ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون }[ الأنعام : 125 ] .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية وآياتها ثمان .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألم نشرح لك صدرك 1 ووضعنا عنك وزرك 2 الذي أنقض ظهرك 3 ورفعنا لك ذكرك 4 فإن مع العسر يسرا 5 إن مع العسر يسرا 6 فإذا فرغت فانصب 7 وإلى ربك فارغب } .

قوله : { ألم نشرح لك صدرك } الاستفهام ، إنكار لنفي الانشراح مبالغة في إثباته . والمقصود أن الله شرح لك صدرك يا محمد . فيكون المعنى : ألم نفسح لك صدرك يا محمد بما أودعنا فيه من العلوم والحكم حتى وسع هموم النبوة ، وأزلنا عنه ضيق الجهل والحرج .

وقيل : إن ذلك إشارة إلى ما روي أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صباه فشق صدره وغسل قلبه من كل ما يجده الناس من أدران النفس كالغل والحسد ونحوهما . فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال : " لقد سألت يا أبا هريرة . إني في الصحراء ابن عشر سنين وأشهر وإذا بكلام فوق رأسي . وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو ؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها قط ، وأرواح لم أجدها من خلق قط . وثياب لم أرها على أحد قط . فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما مسّا . فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه فأضجعاني بلا قصر{[4828]} ولا هصر{[4829]} . فقال أحدهما لصاحبه : افلق صدره ، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغل والحسد . فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها . فقال له : أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال : اغد واسلم ، فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة للكبير " .


[4828]:القصر: الحبس. قصر على الأمر، رده إليه. انظر القاموس المحيط ص 595.
[4829]:الهصر: الجذب والإمالة والكسر والدفع. انظر القاموس المحيط ص 641.