في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{فَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا كُفۡرَانَ لِسَعۡيِهِۦ وَإِنَّا لَهُۥ كَٰتِبُونَ} (94)

93

( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ، فلا كفران لسعيه ، وإنا له كاتبون ) .

هذا هو قانون العمل والجزاء . . لا جحود ولا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان . . وهو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب .

ولا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته ، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده . ولا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته ، بل لتثبت للإيمان حقيقته .

إن الإيمان هو قاعدة الحياة ، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان وهذا الوجود ، والرابطة التي تشد الوجود بما فيه ومن فيه إلى خالقه الواحد ، وترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه ، ولا بد من القاعدة ليقوم البناء . والعمل الصالح هو هذا البناء . فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته .

والعمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده وحيويته في الضمير . والإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر . . والثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق .

ومن ثم يقرن القرآن دائما بين الإيمان والعمل الصالح كلما ذكر العمل والجزاء . فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل ولا يثمر . ولا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان .

والعمل الطيب الذي لا يصدر عن إيمان إنما هو مصادفة عابرة ، لأنه غير مرتبط بمنهج مرسوم ، ولا موصول بناموس مطرد . وإن هو إلا شهوة أو نزوة غير موصولة بالباعث الأصيل للعمل الصالح في هذا الوجود . وهو الإيمان بإله يرضى عن العمل الصالح ، لأنه وسيلة البناء في هذا الكون ، ووسيلة الكمال الذي قدره الله لهذه الحياة . فهو حركة ذات غاية مرتبطة بغاية الحياة ومصيرها ، لا فلتة عابرة ، ولا نزوة عارضة ، ولا رمية بغير هدف ، ولا اتجاها معزولا عن اتجاه الكون وناموسه الكبير .

والجزاء على العمل يتم في الآخرة حتى ولو قدم منه قسط في الدنيا . فالقرى التي هلكت بعذاب الاستئصال ستعود كذلك حتما لتنال جزاءها الأخير ، وعدم عودتها ممتنعة ، فهي راجعة بكل تأكيد .