في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

وخلق السماوات والأرض وما بينهما متلبس بالحق : ( ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) . . وبالتقدير الدقيق : ( وأجل مسمى )تتحقق فيه حكمة الله من خلقه ، ويتم فيه ما قدره له من غاية .

وكلا الكتابين مفتوح ، معروض على الأسماع والأنظار ، ينطق بقدرة الله ، ويشهد بحكمته ، ويشي بتدبيره وتقديره ، ويدل كتاب الكون على صدق الكتاب المتلو ، وما فيه من إنذار وتبشير . . ( والذين كفروا عما أنذروا معرضون ) . . وهذا هو العجب المستنكر في ظل تلك الإشارة إلى الكتاب المنزل والكتاب المنظور !

والكتاب المنزل المتلو يقرر أن الله واحد لا يتعدد ، وأنه رب كل شيء ، بما أنه خالق كل شيء ، ومدبر كل شيء ، ومقدر كل شيء . وكتاب الكون الحي ينطق بهذه الحقيقة ذاتها ؛ فنظامه وتنسيقه وتناسقه كلها تشهد بوحدانية الصانع المقدر المدبر ، الذي يصنع على علم ، ويبدع على معرفة ، وطابع الصنعة واحد في كل ما يصنع وما يبدع . فأنى يتخذ الناس آلهة من دونه ? وماذا صنع هؤلاء الآلهة وماذا أبدعوا ? وهذا هو الكون قائما معروضا على الأنظار والقلوب ؛ فماذا لهم فيه ? وأي قسم من أقسامه أنشأوه ?