نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ} (3)

ولما ثبت في الجاثية مضمون قوله تعالى في الدخان { وما خلقنا-{[58470]} السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } بما ذكر فيهما من الآيات و-{[58471]} المنافع والحكم ، أثبت هنا-{[58472]} مضمون ما بعد-{[58473]} ذلك بزيادة الأجل فقال دالاً على عزته وحكمته : { ما خلقنا } أي على ما لنا من العظمة الموجبة للتفرد بالكبرياء { السماوات والأرض } على ما فيهما من الآيات التي فصل بعضها في الجاثية . ولما كان من المقاصد هنا الرد على المجوس وغيرهم ممن ثبت خلقاً لغير الله قال{[58474]} : { وما بينهما } أي من الهواء المشحون بالمنافع وكل خير وكل شر{[58475]} من أفعال العباد وغيرهم ، وقال ابن برجان في تفسيره{[58476]} : جميع الوجود أوله وآخره نسخة لأم الكتاب والسماوات والأرض إشارة إلى بعض الوجود{[58477]} ، وبعضه يعطي من الدلالة على المطلوب ما يعطيه الكل بوجه ما ، غير أن ما علا أصح دلالة وأقرب شهادة وأبين إشارة ، وما صغر من الموجودات دلالته مجملة يحتاج المستعرض فيه إلى التثبت و{[58478]}تدقيق النظر{[58479]} والبحث - انتهى . { إلا بالحق } أي الأمر الثابت من القدرة التامة والتصرف المطلق ، فخلق الباطل-{[58480]} بالحق لأنه{[58481]} تصرف في ملكه الذي لا شائبة لغيره فيه للابتلاء والاختبار للمجازاة بالعدل والمن بالفضل إلى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها سواه ، وفي خلق ذلك على هذا الوجه أعظم دلالة على وجود الحق سبحانه ، وأنه واحد لا شريك له ، ودل على قهره بقوله : { وأجل مسمى } أي لبعث الناس إلى دار القرار لفصل أهل الجنة من أهل النار ، وفناء الخافقين وما نشأ عنهما من الليل والنهار .

ولما كان التقدير : وأمرنا الناس بالعمل في ذلك الأجل بطاعتنا ووعدناهم عليها جنان{[58482]} النعيم ، فالذين آمنوا على ما أنذروا مقبلون ، ومن غوائله مشفقون ، فهم بطاعتنا عاملون ، عطف عليه ما السياق له من قوله : { والذين كفروا } أي ستروا من أعلام الدلائل ما لو خلوا أنفسهم وما فطرناها عليه لعلموه فهم لذلك{[58483]} { عما أنذروا } ممن هم عارفون {[58484]}بأن إنذاره{[58485]} لا يتخلف { معرضون * } ومن غوائله آمنون ، فهم بما يغضبنا فاعلون ، شهدت عندهم شواهد الوجود فما سمعوا لها ولا {[58486]}أصغوا إليها وأنذرتهم الرسل والكتب من عند الله فأعرضوا عنها واشمأزوا منها .


[58470]:زيد من م ومد.
[58471]:زيد من م ومد.
[58472]:زيد من م ومد.
[58473]:زيد من م ومد.
[58474]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: فقال.
[58475]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: شيء.
[58476]:زيد في الأصل و ظ: كل هواء، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58477]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الموجودات.
[58478]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: التدقيق.
[58479]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: التدقيق.
[58480]:زيد من م ومد.
[58481]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لا.
[58482]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: جنات.
[58483]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: كذلك.
[58484]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: بإنذاره.
[58485]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: بإنذاره.
[58486]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: صغوا لها و لا.