تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

{ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ } اسم جنس يشمل كل سيئة { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } أي : ألقوا في النار على وجوههم ويقال لهم : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

{ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } .

والكب : جعل ظاهر الشيء إلى الأرض . وعدي الكب في هذه الآية إلى الوجوه دون بقية الجسد وإن كان الكب لجميع الجسم لأن الوجوه أول ما يقلب إلى الأرض عند الكب كقول امرىء القيس :

يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل

وهذا من قبيل قوله تعالى { سحروا أعين الناس } [ الأعراف : 116 ] وقوله { ولما سقط في أيديهم } [ الأعراف : 149 ] وقول الأعشى :

وأقدِمْ إذا ما أعين الناس تفرق

{ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كنتم تعملون } .

تذييل للزواجر المتقدمة ، فالخطاب للمشركين الذين يسمعون القرآن على طريقة الالتفات من الغيبة بذكر الأسماء الظاهرة وهي من قبيل الغائب . وذكر ضمائرها ابتداء من قوله { إنك لا تسمع الموتى } [ النمل : 80 ] وما بعده من الآيات إلى هنا . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل يجزون إلا ما كانوا يعملون فكانت هذه الجملة كالتلخيص لما تقدم وهو أن الجزاء على حسب عقائدهم وأعمالهم وما العقيدة إلا عمل القلب فلذلك وجه الخطاب إليهم بالمواجهة .

ويجوز أن تكون مقولاً لقول محذوف يوجه إلى الناس يومئذ ، أي لا يقال لكل فريق : { هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } .

والاستفهام في معنى النفي بقرينة الاستثناء . وورود { هل } لمعنى النفي أثبته في « مغني اللبيب » استعمالاً تاسعاً قال : « أن يراد بالاستفهام بها النفي ولذلك دخلت على الخبر بعدها ( إلا ) نحو { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } [ الرحمن : 60 ] . والباء في قوله :

ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وقال في آخر كلامه : إن من معاني الإنكار الذي يستعمل فيه الاستفهام إنكار وقوع الشيء وهو معنى النفي . وهذا تنفرد به { هل } دون الهمزة . قال الدماميني في « الحواشي الهندية » قوله : يراد بالاستفهام ب { هل النفي يشعر بأن ثمة استفهاماً لكنه مجازي لا حقيقي اه .

وأقول : هذا استعمال كثير ومنه قول لبيد :

وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر

وقول النابغة :

وهل عليّ بأن أخشاك من عار

حيث جاء ب ( من ) التي تدخل على النكرة في سياق النفي لقصد التنصيص على العموم وشواهده كثيرة . ولعل أصل ذلك أنه استفهام عن النفي لقصد التقرير بالنفي . والتقدير : هل لا تجزون إلا ما كنتم تعملون ، فلما اقترن به الاستثناء غالباً والحرف الزائد في النفي في بعض المواضع حذفوا النافي وأشربوا حرف الاستفهام معنى النفي اعتماداً على القرينة فصار مفاد الكلام نفياً وانسلخت ( هل ) عن الاستفهام فصارت مفيدة النفي . وقد أشرنا إلى هذه الآية عند قوله تعالى { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } في الأعراف ( 147 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِي ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (90)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ومن جاء بالسيئة} يعني: بالشرك {فكبت وجوههم في النار} ثم تقول لهم خزنة جهنم: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} من الشرك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 89]

يقول تعالى ذكره:"مَنْ جَاءَ" الله بتوحيده والإيمان به، وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه، "فَلَهُ "من هذه الحسنة عند الله "خَيرٌ" يوم القيامة، وذلك الخير أن يثيبه الله "مِنْهَا" الجنة، ويؤمّنه "مِنْ فَزَعِ" الصيحة الكبرى وهي النفخ في الصور. "وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ" يقول: ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه، وجحود وحدانيته "فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ" في نار جهنم... حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني الفضل بن دكين، قال: حدثنا يحيى بن أيوب البجلي، قال: سمعت أبا زرعة، قال: قال أبو هُريرة، قال يحيى: أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال: وَهِيَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ قال: وهِيَ الشّرْكُ»...

عن عكرمة، قوله: "مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ" قال: شهادة أن لا إله إلا الله "وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ" قال: السيئة: الشرك. قال الحكم: قال عكرِمة: كل شيء في القرآن السيئة فهو الشرك... عن ابن عباس "فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها": فمنها وصل إليه الخير، يعني ابن عباس بذلك: من الحسنة وصل إلى الذي جاء بها الخير...

عن قَتادة، قوله: "فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها" يقول: له منها حظّ...

عن عكرمة، قوله: "مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها" قال: ليس شيء خيرا من لا إله إلا الله، ولكن له منها خير...

قال ابن زيد، في قوله: "مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلهُ خَيْرٌ مِنْها" قال: أعطاه الله بالواحدة عشرا، فهذا خير منها...

عُني بقوله: "وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ" من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله...

وقوله: "هَلْ تُجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هل تجزون أيها المشركون إلا ما كنتم تعملون، إذ كبكم الله لوجوهكم في النار، وإلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا بما يسخط ربكم، وترك «يقال لهم» اكتفاءً بدلالة الكلام عليه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فكبت وجوههم في النار} المنكب على الوجه، هو الملقى على الوجه كقوله: {يوم تقلب وجوههم في النار} [الأحزاب: 66].

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة، فكأنه قيل: فكبوا في النار، كقوله تعالى: {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} [الشعراء: 94] ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين.

{هَلْ تُجْزَوْنَ} يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ومن جاء بالسيئة} أي التي لا سيئة مثلها، وهي الشرك لقوله: {فكبت} أي بأيسر أمر {وجوههم في النار} مع أنه ورد في الصحيح أن مواضع السجود -التي أشرفها الوجوه- لا سبيل للنار عليها، والوجه أشرف ما في الإنسان، فإذا هان كان ما سواه أولى بالهوان، والمكبوب عليه منكوس. ولما كانوا قد نكسوا أعمالهم وعكسوها بعبادة غير الله، فوضعوا الشيء في غير موضعه، فعظموا ما حقه التحقير، واستهانوا أمر العلي الكبير. وكان الوجه محل ظهور الحياء والانكسار، لظهور الحجة، وكانوا قد حدقوا الأعين جلادة وجفاء عند العناد، وأظهروا في الوجوه التجهم والعبوس والارتداد، بدع قوله بناء على ما تقديره بما دل عليه الاحتباك: وهم من فزع يومئذ خائفون، وليس لهم إلا مثل سيئتهم: {هل} أي مقولاً لهم: هل {تجزون} أي بغمس الوجوه في النار؛ وبني للمفعول لأن المرغب المرهب الجزاء، لا كونه من معين، وإشارة إلى أنه يكون بأيسر أمر، لأن من المعلوم أن المجازي هو الله لا غيره {إلا ما كنتم} أي بما هو لكم كالجبلة {تعملون} أي تكررون عمله وأنتم تزعمون أنه مبني على قواعد العلم بحيث يشهد كل من رآه أنه مماثل لأعمالكم سواء بسواء، وهو شامل أيضاً لأهل القسم الأول، والآية من الاحتباك: ذكر الخيرية والأمن أولاً دليلاً على حذف المثل والخوف ثانياً، والكب في النار ثانياً دليلاً على الإكرام عنه أولاً.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار}.

والكب: جعل ظاهر الشيء إلى الأرض. وعدي الكب في هذه الآية إلى الوجوه دون بقية الجسد وإن كان الكب لجميع الجسم لأن الوجوه أول ما يقلب إلى الأرض عند الكب...

{هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كنتم تعملون}.

تذييل للزواجر المتقدمة، فالخطاب للمشركين الذين يسمعون القرآن على طريقة الالتفات من الغيبة بذكر الأسماء الظاهرة وهي من قبيل الغائب. وذكر ضمائرها ابتداء من قوله {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] وما بعده من الآيات إلى هنا. ومقتضى الظاهر أن يقال: هل يجزون إلا ما كانوا يعملون فكانت هذه الجملة كالتلخيص لما تقدم وهو أن الجزاء على حسب عقائدهم وأعمالهم وما العقيدة إلا عمل القلب فلذلك وجه الخطاب إليهم بالمواجهة.

ويجوز أن تكون مقولاً لقول محذوف يوجه إلى الناس يومئذ، أي لا يقال لكل فريق: {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون}.

والاستفهام في معنى النفي بقرينة الاستثناء.

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

وهذه الآية الكريمة تضمّنت أمرين:

الأول: أن من جاء ربّه يوم القيامة بالسيئة كالشرك يكبّ وجهه في النار.

والثاني: أن السيّئة إنما تجزى بمثلها من غير زيادة، وهذان الأمران جاءا موضحين في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في الأوّل منهما: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى} [طه: 74]، وكقوله تعالى في الثاني منهما: {وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} [الأنعام: 160] الآية، وقوله تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [القصص: 84].

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} أي فكبوا على وجوههم في النار، لأنّ السيئة توحي بالتمرد على الله في جانب العقيدة والعمل، فتستتبع غضبه الذي يؤدي إلى دخول النار، حيث ينادي المنادي هناك، لكل هؤلاء الكافرين والمتمردين {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فلا ظلم هناك ولا ابتعاد عن الحق.

ومن خلال ذلك، نفهم أن علاقة الإنسان بربه، تنطلق من خلال العمل الذي يوحي بالإيمان من مدلوله الروحي الإيجابي، أو الذي يوحي بالكفر من خلال المدلول نفسه في جانبه السلبي، وأن الله يشجع المحسن على إحسانه بزيادة الأجر عليه.