تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

ولهذا قال : { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِين } أي : قد ذهب بكم إلى النار { مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } لا من أنفسكم قوة تدفعون بها عذاب الله ، ولا ينصركم من دونه من أحد { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ }

{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } لأن الهدى بيد الله تعالى ، فإذا منع عبده الهدى لعلمه أنه غير لائق به ، لخبثه ، فلا سبيل إلى هدايته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

و{ يَوْمَ تُوَلُّونَ } بدل من { يَوْمَ التَّنَادِ } ، والتولي : الرجوع ، والإِدبارُ : أن يرجع من الطريق التي وراءه ، أي من حيث أتى هَرباً من الجهة التي ورد إليها لأنه وجد فيها ما يكره ، أي يوم تفرّون من هول ما تجدونه . و { مدبرين } حال مؤكدة لعاملها وهو { تولون } .

وجملة { مَا لَكُم مِنَ الله مِن عَاصِمٍ } في موضع الحال . والمعنى : حالةَ لا ينفعكم التولِّي .

والعاصم : المانع والحافظ . و { مِنَ الله } متعلق ب { عاصم ، } و { من } المتعلقة به للابتداء ، تقول : عصمه من الظالم ، أي جعله في منَعَة مبتدأة من الظالم . وضَمن فعل ( عَصم ) معنى : أنقذَ وانتزعَ ، ومعنى : { مِنَ الله } من عذابه وعقابه لأن المنع إنما تتعلق به المعاني لا الذوات . و { من } الداخلة على { عاصم } مزيدة لتأكيد النفي .

وَأغنى الكلام على تعدية فعل : { أَخَافُ عَلَيكم مِثلَ يَومِ الأحْزَابِ } [ غافر : 30 ] عن إعادته هنا .

وجملة { وَمَن يُضْلِل الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } عطف على جملة { إنِّي أخَافُ عَلَيْكُم يَوْمَ التَّنَادِ } لتضمنها معنى : إني أرشدتكم إلى الحذر من يوم التنادي .

وفي الكلام إيجاز بحذف جُمل تدل عليها الجملة المعطوفة . والتقدير : هذا إرشاد لكم فإن هداكم الله عملتم به وإن أعرضتم عنه فذلك لأن الله أضلكم ومن يضلل الله فما له من هاد ، وفي هذه الجملة معنى التذييل .

ومعنى إسناد الإِضلال والإِغواء ونحوهما إلى الله أن يكون قد خلق نفس الشخص وعقله خلقاً غير قابل لمعاني الحق والصواب ، ولا ينفعل لدلائل الاعتقاد الصحيح .

وأراد من هذه الصلة العموم الشامل لكل من حرمه الله التوفيق ، وفيه تعريض بتوقعه أن يكون فرعون وقومه من جملة هذا العموم ، وآثر لهم هذا دون أن يقول : { ومن يهد الله فما له من مضل } [ الزمر : 37 ] لأنه أحسّ منهم الإِعراض ولم يتوسم فيهم مخائل الانتفاع بنصحه وموعظته .