الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

ثم قال تعالى ذكره حكاية عن قول المؤمن لقومه : { ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين } أي : إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى ولم تؤمنوا بما جاءكم{[59603]} به عقاب الله يوم التنادي ، أي : يوم القيامة ، أي : يوم يتنادى{[59604]} أصحاب الجنة والنار كما ذكر في سورة الأعراف وغيرها{[59605]} فقال : { ونادى أصحاب الجنة } ، { ونادى أصحاب الأعراف } ، { ونادى أصحاب النار }{[59606]} قال قتادة وابن زيد{[59607]} .

وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يأمر الله عز وجل إسرافيل عليه السلام بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره{[59608]} فيديمها ويطولها فلا تفتر{[59609]} – وهي التي يقول الله عز وجل : { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق }{[59610]} – فيسيٍِّر الله عز وجل الجبال فتكون سرابا ، وترتد الأرض بأهلها رجا{[59611]} – وهي التي يقول الله عز وجل { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة }{[59612]} – فتكون ( الأرض كالسفينة ){[59613]} المزنقة{[59614]} في البحر تمر بها الأمواج تكفأ{[59615]} بأهلها ، وكالقنديل ( المعلق بالعرش ){[59616]} ترجحه ( الأرواح فيميل{[59617]} الناس على ظهرها فتذهل{[59618]} المراضع وتضع الحوامل ( وتشيب الولدان ){[59619]} وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي{[59620]} الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا ، وهو اليوم الذي يقول الله عز وجل : { يوم التناد يوم تولون مدبرين }{[59621]} .

فعلى{[59622]} هذا الحديث يكون التنادي في النفخة الأولى في الدنيا .

وقرأ الضحاك : يوم التنادي بتشديد الدال{[59623]} ، جعله من نَدّ{[59624]} البعير إذا مر على وجهه هاربا . فهذا يراد به ما يكون يوم القيامة من حال الناس .

ويسعد هذه القراءة ويقويها{[59625]} ما روى عبد الله بن خالد{[59626]} قال : يظهر للناس يوم القيامة عنق ( من النار فيتولون ){[59627]} هاربين منها حتى تحيط بهم ، فإذا أحاطت بهم قالوا : أين المفر ؟

ثم أخذوا في البكاء حتى تنفذ الدموع فيكون دما ، ثم يشخص الكفار فذلك قوله : { مهطعين مقنعي رؤوسهم }{[59628]} .

ويقويها أيضاا رواه الضحاك ، قال : ( إذا كان يوم القيامة أمر الله عز وجل السماء الدنيا فتشققت{[59629]} بأهلها ، فنزل من{[59630]} فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، فصفوا صفا دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى ، على مجنبته{[59631]} اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض ندوا ، ( فلا يوافقون ){[59632]} قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه – فذلك قوله : { إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين }{[59633]} وذلك قوله : { وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم{[59634]} } .

وقوله : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }{[59635]} .

وذلك قوله : { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها }{[59636]} .

وقال قتادة : يوم تولون مدبرين ، أي : منطلقا بكم إلى النار{[59637]} .

وقال مجاهد : يوم{[59638]} تولون ( فارين غير معجزين ){[59639]} .

{ مالكم من الله من عاصم } أي : ما لكم من عذاب الله سبحانه من مانع يمنعكم منه وينصركم .

ثم قال تعالى : { ومن يضلل الله فماله من هاد } أي : من يخذله الله فلا يوفقه للرشاد ، فما له من موفق يوفقه له .


[59603]:(ح): جاءكم موسى.
[59604]:(ح): تنادي.
[59605]:ساقط من ح.
[59606]:الأعراف: 43، 47، 49.
[59607]:الذي في جامع البيان 24/40 عن قتادة والسدي، وفي المحرر الوجيز 14/136 عن قتادة فقط.
[59608]:(ح): ويأمره الله.
[59609]:(ح): فلا يفتر.
[59610]:ص: 14.
[59611]:(ح): رجى.
[59612]:النازعات: 6/8.
[59613]:في طرة (ت).
[59614]:(ت): المرتقة، وفي جامع البيان: وفي اللسان (مادة: زنق) : المزنوق، المربوط بالزناق... والزناق: جبل تحت حنك البعير يجذب به وعليه، فكلمة (المرتقة) أولى بالإثبات في (المرتقة) لأن الرتق ضد الفتق والله أعلم.
[59615]:(ح): تكفي.
[59616]:ساقط من (ح).
[59617]:(ح): الأرياح فيميد.
[59618]:في طرة (ت).
[59619]:(ح): ويشيب الولدا.
[59620]:(ح): فتولي.
[59621]:لم أقف عليه إلا في جامع البيان 24/40، والمحرر الوجيز 14/136، وقد ورد في المحرر الوجيز مختصرا.
[59622]:(ت): وعلى.
[59623]:قرأ التنادي بتشديد الدال: ابن عباس والحسن والضحاك وأبو صالح والكلبي. انظر: ذلك في: إعراب النحاس 4/32، والمحرر الوجيز 14/136 و137، وتفسير ابن كثير 4/80.
[59624]:منطمس في (ح).
[59625]:في طرة (ت): يقوها.
[59626]:هو عبد الله بن خالد بن أبي مريم، أبو شاكر المدني التيمي، صنفه ابن حجر في (التقريب) ضمن الطبقة التاسعة، وقال فيه: مستور. انظر: الإصابة 2/302 ت 4643، وتقريب التهذيب 1/411 ت 270.
[59627]:(ح): نار فيولون.
[59628]:إبراهيم: 45.
[59629]:ساقط من كلا النسختين (ت) و(ح). والزيادة من جامع البيان 24/40، والدر المنثور 7/287.
[59630]:(ت): ما.
[59631]:(ت) موجنبته.
[59632]:(ح): فلا يوافون.
[59633]:غافر: 32 و 33.
[59634]:الفجر: 24 و 25.
[59635]:الرحمن: 31.
[59636]:الحاقة 15 و 16. وهذا الأثر أخرجه ابن جرير في جامع البيان 24/40. وقال السيوطي في الدر المنثور 7/26: أخرجه ابن المبارك وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك موقوفا.
[59637]:انظر: جامع البيان 24/41.
[59638]:(ح): معناه: يوم.
[59639]:انظر: تفسير مجاهد في 2/564، وجامع البيان 24/41.