تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} (7)

{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا } سقفها للمخلوقات الأرضية ، ووضع الله الميزان أي : العدل بين العباد ، في الأقوال والأفعال ، وليس المراد به الميزان المعروف وحده ، بل هو كما ذكرنا ، يدخل فيه الميزان المعروف ، والمكيال الذي تكال به الأشياء والمقادير ، والمساحات التي تضبط بها المجهولات ، والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات ، ويقام بها العدل بينهم ، ولهذا قال :

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} (7)

اطّرد في هذه الآية أسلوب المقابلة بين ما يُشبه الضدين بعد مقابلةِ ذِكر الشمس والقمرِ بذِكر النجممِ والشجر ، فجيء بِذكر خلق السماء وخلق الأرض .

وعاد الكلام إلى طريقة الإِخبار عن المسند إليه بالمسند الفعلي كما في قوله : { الرحمن علم القرآن } [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، وهذا معطوف على الخبر فهو في معناه .

ورفع السماء يقتضي خلقَها . وذُكر رفعها لأنه محل العبرة بالخلق العجيب . ومعنى رفعها : خلقُها مرفوعة إذ كانت مرفوعة بغير أعمدة كما يقال للخياط : وسّع جيب القميص ، أي خِطْه واسعاً على أن في مجرد الرفع إيذاناً بسموّ المنزلة وشرفها لأن فيها منشأَ أحكام الله ومصدرَ قضائه ، ولأنها مكان الملائكة ، وهذا من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه .

وتقديم السماء على الفعل الناصب له زيادةٌ في الاهتمام بالاعتبار بخلقها .

و { الميزان } : أصله اسمُ آلة الوزن ، والوزن تقديرُ تعادُللِ الأشياء وضبط مقادير ثقلها وهو مِفعال من الوزن ، وقد تقدم في قوله تعالى : { والوزن يومئذٍ الحق فمن ثقلت موازينه } في سورة الأعراف ( 8 ) ، وشاع إطلاق الميزان على العدل باستعارة لفظ الميزان للعدل على وجه تشبيه المعقول بالمحسوس .

والميزان هنا مراد به العدل ، مثل الذي في قوله تعالى : { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } [ الحديد : 25 ] لأنه الذي وضعه الله ، أي عيّنه لإِقامة نظام الخلق ، فالوضع هنا مستعار للجعل فهو كالإِنزال في قوله : { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } . ومنه قول أبي طلحة الأنصاري « وإنّ أحبَّ أموالي إليّ بئرحاءٍ وأنها صدقة لله فضَعْهَا يا رسول الله حيثُ أراكَ الله » أي اجعلها وعينها لما يدُلُّك الله عليه فإطلاق الوضع في الآية بعد ذكر رفع السماء مشاكلة ضِدية وإيهامُ طباق مع قوله : { رفعها } ففيه محسِّنان بديعيان .

وقرن ذلك مع رفع السماء تنويهاً بشأن العدل بأن نسب إلى العالم العلوي وهو عالم الحق والفضائل ، وأنه نزل إلى الأرض من السماء أي هو مما أمر الله به ، ولذلك تكرر ذلك العدل مع ذكر خلق السماء كما في قوله تعالى : { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق } في سورة يونس ( 5 ) ، وقوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } في سورة الحجر ( 85 ) ، وقوله : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق } في سورة الدخان ( 38 ، 39 ) . وهذا يصدّق القول المأثور : بالعدل قامت السماوات والأرض . وإذ قد كان الأمر بإقامة العدل من أهم ما أوصى الله به إلى رسوله قُرن ذكر جعله بذكر خلق السماء فكأنه قيل ووضع فيها الميزان .