مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} (7)

ثم قال تعالى : { والسماء رفعها ووضع الميزان } ورفع السماء معلوم معنى ، ونصبها معلوم لفظا فإنها منصوبة بفعل يفسره قوله : { رفعها } كأنه تعالى قال : رفع السماء ، وقرئ { والسماء } بالرفع على الابتداء والعطف على الجملة الابتدائية التي هي قوله : { الشمس والقمر } وأما ( وضع الميزان ) فإشارة إلى العدل ( وفيه لطيفة ) وهي أنه تعالى بدأ أولا بالعلم ثم ذكر ما فيه أشرف أنواع العلوم وهو القرآن ، ثم ذكر العدل وذكر أخص الأمور له وهو الميزان ، وهو كقوله تعالى : { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } ليعمل الناس بالكتاب ويفعلوا بالميزان ما يأمرهم به الكتاب فقوله : { علم القرآن } { ووضع الميزان } مثل : { وأنزلنا معهم الكتاب والميزان } فإن قيل : العلم لا شك في كونه نعمة عظيمة ، وأما الميزان فما الذي فيه من النعم العظيمة التي بسببها يعد في الآلاء ؟ نقول : النفوس تأبى الغبن ولا يرضى أحد بأن يغلبه الآخر ولو في الشيء اليسير ، ويرى أن ذلك استهانة به فلا يتركه لخصمه لغلبة ، فلا أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه فلولا التبيين ثم التساوي لأوقع الشيطان بين الناس البغضاء كما وقع عند الجهل وزوال العقل والسكر ، فكما أن العقل والعلم صارا سببا لبقاء عمارة العالم ، فكذلك العدل في الحكمة سبب ، وأخص الأسباب الميزان فهو نعمة كاملة ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته لكثرته وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء اللذين لا يتبين فضلهما إلا عند فقدهما .