اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} (7)

قوله تعالى : { والسماء رَفَعَهَا } .

العامة{[54285]} : على النصب على الاشتغال مراعاة لعجز الجملة التي يسميها النحاة ذات وجهين ، وفيها دليل لسيبويه الذي يجوز النصب ، وإن لم يكن في جملة الاشتغال ضمير عائد على المبتدأ الذي تضمنته الجملة ذات الوجهين .

والأخفش{[54286]} يقول : لا بد من ضمير ، مثاله : «هند قامت وعمراً أكرمته لأجلها » .

قال : «لأنك راعيْتَ الخبر وعطفت عليه ، والمعطوف على الخبر خبر ، فيشترط فيه ما يشترط فيه » .

ولم يشترط الجمهور ذلك ، وهذا دليلهم .

فإن القراء كلهم نصبوا مع عدم الرابط إلا من شذ منهم وقد تقدم تحرير هذا في سورة «يس » عند قوله : { والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } [ يس : 39 ] .

وقرأ أبو{[54287]} السمال : برفع السماء على الابتداء ، والعطف على الجملة الابتدائية التي هي قوله «والشمس والقمر » .

قال القرطبي{[54288]} : «فجعل المعطوف مركباً من ابتداء وخبر كالمعطوف عليه » .

قوله : «ووَضَع المِيزانَ » .

العامة{[54289]} على «وَضَع » فعلاً ماضياً ، و«الميزان » نصب على المفعول به .

وقرأ إبراهيم{[54290]} : «ووضْع الميزانِ » - بسكون الضاد - وخفص «الميزان » وتخريجها : على أنه معطوف على مفعول «رفعها » أي : «ورفع ووضْع الميزان » أي جعل له مكانة ورفعة لأخذ الحُقُوق به ، وهو من بديع اللفظ حيث يصير التقدير : «ورفع ووضع الميزان » .

قال الزمخشري{[54291]} : «فإن قيل : كيف أخلّ بالعاطف في الجمل الأول وجيء به بعده ؟ .

قلت : بَكَّتَ بالجمل : الأول ، وأورده على سننِ التعديد للذين أنكروا الرحمان وآلاءه كما تبكت منكر أيادي المنعم من الناس بتعدّدها عليه في المثال الذي قدمته ، ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التَّبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعاطف .

فإن قلت : أي تناسب بين هاتين الجملتين حتى وسط بينهما العاطف ؟ .

قلت : إن الشمس والقمر سماويَّان ، والنجم والشجر أرضيَّان فبينهما تناسب من حيث التقابل ، وإن السماء والأرض لا يزالان يذكران قرينتين ، وإن جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله ، فهو مناسب لسجود النجم والشجر »{[54292]} .

فصل في المراد بوضع الميزان

قال مجاهد وقتادة : وضع الميزان عبارة عن العدل{[54293]} .

قال السدي : «ووضع الميزان » وضع في الأرض العدل الذي أمر به{[54294]} ، يقال : وضع الله الشريعة ، ووضع فلان كذا أي ألقاه .

وقيل : على هذا الميزان القرآن ، لأن فيه بيان ما يحتاج إليه .

وهو من قول الحسين بن الفضل .

وقال الحسن وقتادة{[54295]} - أيضاً - والضحاك : هو الميزان الذي يوزن به لينتصف به الناس بعضهم من بعض{[54296]} ، وهو خبر بمعنى الأمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط } [ الرحمان : 9 ] .

والقسْط هو العَدْل ، وقيل : هو الحكم .

وقيل : المراد وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال . وأصل «ميزان » «يوزان » . وقد مضى القول فيه في «الأعراف » .

قال ابن الخطيب{[54297]} : قوله : «ووَضَعَ المِيزانَ » إشارة إلى العدل ، كقوله : { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان } [ الحديد : 25 ] أي : ليعلموا بالكتاب ، ويعملوا بالميزان ، فكذا هنا «عَلَّمَ القُرآن » ووضع الميزانَ ، فالمراد ب «الميزان » : العدل بوضعه شرعة ، كأنه قيل : شرع العدل لئلا تطغوا في الميزان الذي هو آلة العَدْل ، هذا هو المنقول ، قال : والأولى العكس كالأول وهو الآلة ، والثاني : بمعنى الوزن ، أو بمعنى العدل .


[54285]:ينظر: الدر المصون 6/263.
[54286]:ينظر: الدر المصون 6/236.
[54287]:ينظر: المحرر الوجيز 5/224، والبحر المحيط 8/188، والقرطبي 17/101.
[54288]:ينظر: القرطبي 17/101
[54289]:ينظر: الدر المصون 6/236.
[54290]:ينظر: البحر المحيط 8/188، والدر المصون 6/236.
[54291]:ينظر: الكشاف 4/443، والدر المصون 6/236.
[54292]:ينظر: الكشاف 4/444.
[54293]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/576) عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/191) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وينظر تفسير الماوردي (5/424).
[54294]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (5/424).
[54295]:ينظر: القرطبي 17/101.
[54296]:ينظر المصدر السابق وتفسير البغوي (4/267).
[54297]:ينظر: تفسير الرازي 29/80.