الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} (7)

قوله : { وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا } : العامَّةُ على النصب على الاشتغال مراعاً لعَجُزِ الجملةِ التي يُسَمِّيها النحاةُ ذاتَ وجهين . وفيها دليلٌ لسيبويه حيث يُجَوِّزُ النصبَ ، وإنْ لم يكنْ في جملةِ الاشتغالِ ضميرٌ عائدٌ على المبتدأ الذي تضمَّنَتْه الجملةُ ذاتُ الوجهين . والأخفشُ يقول : لا بُدَّ من ضميرٍ ، مثالُه : " هند قامَتْ وعمراً أكرمْتُه لأجلها " قال : " لأنك راعَيْتَ الخبرَ ، وعَطَفْتَ عليه ، والمعطوفُ على الخبرِ خبرٌ فيُشْترط فيه ما يُشْترط فيه ، ولم يَشْتَرِطِ الجمهورُ ذلك وهذا دليلُهم ، قال الفراء : " كلهم نَصَبُوا مع عدم الرابط إلاَّ مَنْ شذَّ منهم . وقد تقدَّمَ هذا محرراً في سورة يس عند قولِه تعالى : { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ } [ يس : 39 ] فهناك اختلف السبعةُ في نَصْبِه ورفعِه ولله الحمدُ .

قوله : { وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } العامَّةُ على " وَضَع " فعلاً ماضياً . و " الميزانَ " نُصِبَ على المفعولِ به . وقرأ إبراهيم . " ووَضْعَ الميزانِ " بسكون الضاد وخفض " الميزانِ " . وتخريجُها : على أنه معطوفٌ على مفعولِ " رَفَعَها " ، أي : وَرَفَعَ وَضْعَ الميزان ، أي : جَعَلَ له مكانةً ورِفْعَةً لأَخْذِ الحقوق به ، وهو مِنْ بديعِ اللفظِ ، حيث يصير التقديرُ : ورَفَعَ وَضْعَ الميزان .

وقال الزمخشري : " فإن قلتَ : كيف أَخَلَّ بالعاطف في الجمل الأُوَل وجِيْءَ به بعدُ ؟ قلت : بَكَّتَ بالجملِ الأُوَلِ واردةً على سَنَنِ التعديد الذين أنكروا الرحمنَ وآلاءَه كما يُبَكَّتُ مُنْكِرُ أيادي المُنْعَمِ [ عليه ] من الناسِ بتعدُّدها عليه في المثالِ الذي قَدَّمْتُه ، ثم رَدَّ الكلامَ إلى منهاجِه بعد التبكيت في وَصْلِ ما يجب وَصْلُه للتناسُبِ والتقارُب بالعاطفِ . فإنْ قلت : أيُّ تناسُبٍ بين هاتَيْنِ الجملتَيْن حتى وَسَّط بينهما العاطفَ ؟ قلت : إن الشمسَ والقمرَ سماويان ، والنجمَ والشجرَ أَرْضيان فبينهما تناسُبٌ من حيث التقابلُ ، وأن السماءَ والأرضَ لا تزالان قرينتَيْن ، وأنَّ جَرْيَ الشمسِ والقمرِ بحُسْبان مِنْ جنسِ الانقيادِ لأمرِ اللهِ ، فهو مناسِبٌ لسُجودِ النجمِ والشجرِ " .