إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ} (7)

{ والسّماء رَفَعَهَا } أي خلقَها مرفوعةً محلاً ورتبةً حيثُ جعلَها منشأَ أحكامِه وقضاياهُ ومتنزَّلَ أوامرِه ومَحَلَّ ملائكتِه ، وفيهِ من التنبيهِ على كبرياءِ شأنِه وعظمِ ملكِه وسلطانِه ما لا يَخْفى . وقُرِئَ بالرفعِ على الابتداءِ . { وَوَضَعَ الميزان } أيْ شرعَ العدلَ وأمرَ بهِ بأنْ وفَّرَ كلَّ مستحقَ ما استحقَّهُ ووفَّى كلَّ ذِي حقَ حقَّهُ حتى انتظمَ به أمرُ العالمِ واستقامَ ، كَما قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : " بالعدلِ قامتِ السماوات والأرضُ " قيلَ : فَعلى هذا الميزانُ : القرآنُ ، وهو قُولُ الحسينِ بنِ الفضلِ ، كما في قولِه تعالى : { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان } [ الحديد ، الآية 25 ] وقيلَ : هو ما يُعرفُ به مقاديرُ الأشياءِ من ميزانٍ ومكيالٍ ونحوِهما ، وهو قولُ الحسنِ وقتادةَ والضَّحاكِ فالمَعْنى خلقَه موضوعاً مخفوضاً على الأرضِ حيثُ علقَ به أحكامَ عبادهِ وقضايَاهُم ومَا تعّبدهُم بهِ من التسويةِ والتعديلِ في أخذِهم وإعطائِهم .