تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

{ 77 - 82 } { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا }

أي : أفلا تتعجب من حالة هذا الكافر ، الذي جمع بين كفره بآيات الله ودعواه الكبيرة ، أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا ، أي : يكون من أهل الجنة ، هذا من أعجب الأمور ، فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوى ، لسهل الأمر .

وهذه الآية -وإن كانت نازلة في كافر معين- فإنها تشمل كل كافر ، زعم أنه على الحق ، وأنه من أهل الجنة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

وقوله { أفرأيت الذي كفر } الآية ، الفاء في قوله { أفرأيت } عاطفة بعد ألف الأستفهام وهي عاطفة جملة على جملة ، و { الذي كفر } يعني به العاصي بن وائل السهمي ، قاله جمهور المفسرين ، وكان خبره أن خباب بن الأرت كان قيناً{[8030]} في الجاهلية فعمل له عملاً واجتمع له عنده فجاءه يتقاضاه فقال له العاصي لا أنصفك حتى تكفر بمحمد ، فقال خباب : لا أكفر بمحمد حتى يمييتك الله ثم يبعثك ، قال العاصي : أو مبعوث أنا بعد الموت ؟ قال خباب نعم ، قال : فإنه إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك ، فنزلت الآية في ذلك{[8031]} ، وقال الحسن نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي وقد كانت للوليد أيضاً أقوال تشبه هذا الغرض ، وقرأ ابن كثير وابو عمرو «وولَداً » على معنى اسم الجنس بفتح الواو واللام وكذلك في سائر ما في القرآن إلا في سورة نوح{[8032]} { ماله وولده } [ نوح : 21 ] فإنما قرأ بضم الواو وسكون اللام ، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو في كل القرآن ، وقرأ حمزة والكسائي «ووُلْداً » بضم الواو وسكون اللام وكذلك في جميع القرآن ، وقرأ ابن مسعود «وِلْداً » بكسر الواو وسكون اللام ، واختلف مع ضم الواو فقال بعضهم : هو جمع «ولد كأسد وأسد » واحتجوا بقول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]

فلقد رأيت معاشراً . . . قد ثمروا مالاً وولداً{[8033]}

وقال بعضهم هو بمعنى الولد واحتجوا بقول الشاعر : [ الطويل ]

فليت فلاناً كان في بطن أمه . . . وليت فلاناً كان ولد حمار{[8034]}

قال أبو علي في قراءة حمزة والكسائي ما كان منه مفرداً قصد به المفرد ، وما كان منه جمعاً قصد الجمع ، وقال الأخفش : الولد الابن والابنة ، والولد : الأهل والوالد ، وقال غيره : والولد بطن الذي هو منه ، حكاه أبو علي في الحجة .


[8030]:القين: الحداد.
[8031]:أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والترمذي، والبيهقي في الدلائل، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، عن خباب بن الإرت، قال: كنت رجلا قينا... الحديث. (الدر المنثور).
[8032]:يعني قوله تعالى في الآية (21): {واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا}.
[8033]:قال هذا البيت الحارث بن حلزة، وهو سابع أبيات قالها يصف غدر الدهر، ويندد بمن يكنز الأموال، وهو في اللسان (ولد)، واستشهد به الفراء في (معاني القرآن)، وقال: والولد والولد لغتان مثل ما قالوا: العدم والعدم.
[8034]:هذا البيت في اللسان (ولد) غير منسوب، وقد استشهد به على أن الولد مفرد، وقد اختلفت الأقوال في الولد والوُلد، وذكرها صاحب اللسان، قال ابن سيدة: الولد والوُلد: ما ولد أيا كان، وهو يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى، وقد يجوز أن يكون الوٌلد جمع ولد كوثن ووثن، وقال الزجاج: الولد والوٌلد واحد، مثل العرب والعُرب والعجم والعُجم . . . الخ، وقيل: إن قيسا تجعل الوُلد بالضم جميعا، والولد بالفتح واحد.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالٗا وَوَلَدًا} (77)

تفريع على قوله { ويقول الإنسان أإذا ما متّ لسوفَ أخرج حياً } [ مريم : 66 ] وما اتصل به من الاعتراض والتفريعات . والمناسبة : أن قائل هذا الكلام كان في غرور مثل الغرور الذي كان فيه أصحابه . وهو غرور إحالة البعث .

والآية تشير إلى قصة خبّاب بن الأرتّ مع العاصي بن وائل السهمي . ففي « الصحيح » : أن خبّاباً كان يصنع السيوف في مكة ، فعمل للعاصي بن وائل سَيفاً وكان ثمنه دَيناً على العاصي ، وكان خبّاب قد أسلم ، فجاء خبّاب يتقاضى دَينه من العاصي فقال له العاصي بن وائل : لا أقضيكه حتى تكفر بمحمّد ، فقال خبّاب ( وقد غضب ) : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ثمّ يبعثك . قال العاصي : أو مبعوثٌ أنا بعد الموت ؟ قال : نعم . قال ( العاصي متهكماً ) : إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دَينَك » . فنزلت هذه الآية في ذلك . فالعاصي بن وائل هو المراد بالذي كفر بآياتنا .

والاستفهام في { أفرأيت } مستعمل في التعجيب من كفر هذا الكافر .

والرؤية مستعارة للعلم بقصته العجيبة . نُزلت القصة منزلة الشيء المشاهد بالبصر لأنه من أقوى طرق العلم . وعبر عنه بالموصول لما في الصلة من منشأ العجب ولا سيما قوله { لأُوتين مالاً وولداً } .

والمقصود من الاستفهام لفت الذهن إلى معرفة هذه القصة أو إلى تذكرها إن كان عالماً بها .

والخطاب لكل من يصلح للخطاب فلم يُرد به معيّن . ويجوز أن يكون خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم

والآيات : القرآن ، أي كفر بما أنزل إليه من الآيات وكذب بها . ومن جملتها آيات البعث .

والوَلَد : اسم جَمْع لوَلَد المفرد ، وكذلك قرأه الجمهور ، وقرأ حمزة والكسائي في هذه السورة في الألفاظ الأربعة « ووُلْد » بضمّ الواو وسكون اللام فهو جمع ولد ، كأسد وأسد .