تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

ثم صرح بالفضل فقال : { الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ } بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة { وَأَنْفُسِهِمْ } بالخروج بالنفس { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } أي : لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب ، إلا من اتصف بصفاتهم ، وتخلق بأخلاقهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

لما حكم الله تعالى في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة وأوضحه ، فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس ، وحكم أن أهل هذه الخصال { أعظم درجة عند الله } من جميع الخلق ، ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه ، والفوز بلوغ البغية إما في نيل رغبته أو نجاة من مهلكة ، وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث الذي جاء «دعوا لي أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه »{[5572]} .

قال القاضي أبو محمد : لأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وهم ردوا الناس إلى الشرع .


[5572]:-رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه، ولفظه: (ادعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهبا ما بلغتم أعمالهم). قال الإمام السيوطي، وهو حديث صحيح. وفي الصحيحين وغيرهما من الصحاح عن أبي سعيد الخدري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم نعت المهاجرين عليا وأصحابه، فقال: {الذين ءامنوا} يعنى صدقوا بتوحيد الله، {وهاجروا} إلى المدينة، {وجاهدوا} العدو {في سبيل الله} يعنى طاعة الله، {بأموالهم وأنفسهم} أولئك {أعظم درجة}، يعنى فضيلة، {عند الله} من الذين افتخروا في عمران البيت وسقاية الحاج وهم كفار، ثم أخبر عن ثواب المهاجرين، فقال: {وأولئك هم الفائزون} يعنى الناجون من النار يوم القيامة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

هذا قضاء من الله بين فِرَق المفتخرين الذين افتخر أحدهم بالسقاية، والآخر بالسدانة، والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: الذين آمنوا بالله: صدقوا بتوحيده من المشركين، وهاجروا دور قومهم، وجاهدوا المشركين في دين الله بأموالهم وأنفسهم، أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده من سقاة الحاجّ وعمار المسجد الحرام وهم بالله مشركون. "وَأُولِئكَ "يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا "هُمُ الفَائِزُونَ" بالجنة الناجون من النار.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله "اولئك هم الفائزون "إخبار منه تعالى أن من وصفه هم الذين يظفرون بالبغية ويدركون الطلبة، لأن الفوز هو الظفر بالبغية وهو والفلاح والنجاح نظائر.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَجَاهَدُوا}: لا على ملاحظة غَرَض أو مطالعة عِوَضٍ؛ فلم يَدَّخِرُوا لأنفسِهم -مِنْ ميسورهم- شيئاً إلا آثروا الحقَّ عليه؛ فَظَفِروا بالنعمة؛ في قيامهم بالحقِّ بعد فنائهم عن الخَلْق.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

قوله تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) فإن قال قائل: كيف يستقيم قوله: (أعظم درجة عند الله) وليس للمشركين درجة أصلا؟ الجواب من وجهين: أحدهما: أعظم درجة من درجتهم على تقديرهم في أنفسهم؛ وهذا مثل قوله تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) ومعناه: على تقديرهم في أنفسهم. والثاني: أن هؤلاء الصنف من المؤمنين أعظم درجة عند الله من غيرهم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

لما حكم الله تعالى في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة وأوضحه، فعدد الإيمان والهجرة والجهاد بالمال والنفس، وحكم أن أهل هذه الخصال {أعظم درجة عند الله} من جميع الخلق، ثم حكم لهم بالفوز برحمته ورضوانه، والفوز بلوغ البغية إما في نيل رغبته أو نجاة من مهلكة، وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث الذي جاء «دعوا لي أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»...

لأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام وهم ردوا الناس إلى الشرع...

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

ثم صرّح بالفريق الفاضل فقال: {الذين آمنوا} إلى آخره: أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ الله} وأحق بما لديه من الخير من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحيطة الباطلة. وفي قوله: {عَندَ الله} تشريف عظيم للمؤمنين، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المتصفين بالصفات المذكورة {هُمُ الفائزون} أي: المختصون بالفوز عند الله.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله} هذه العندية حكمية شرعية ومكانية جزائية، أي أعظم درجة وأعلى مقاما في الفضل والكمال في حكم الله، وأكبر مثوبة في جوار الله، من أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، الذين رأى بعض المسلمين أن عملهم أفضل القربات بعد هداية الإسلام، ومن غيرهم من أهل البر والصلاح، الذين لم ينالوا فضل الهجرة والجهاد بنوعيه المالي والنفسي، يدل على هذا العموم في التفضيل عدم ذكر المفضل عليه...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

ثم صرح بالفضل فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ} بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة {وَأَنْفُسِهِمْ} بالخروج بالنفس {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذه الجملة مبيّنة لنفي الاستواء الذي في جملة {لا يستون عند الله} [التوبة: 19] ومفصّلة للجهاد الذي في قوله: {كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله} [التوبة: 19] بأنّه الجهاد بالأموال والأنفس، وإدماج لبيان مزية المهاجرين من المجاهدين.

و (الذين هاجروا) هم المؤمنون من أهل مكة وما حولها، الذين هاجروا منها إلى المدينة لما أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إليها بعد أن أسلموا، وذلك قبل فتح مكة.

والمهاجَرة: ترك الموطن والحلولُ ببلد آخر، وهي مشتقّة من الهجر وهو الترك، واشتقّت لها صيغة المفاعلة لاختصاصها بالهجر القوي وهو هجر الوطن، والمراد بها في عرف الشرع هجرة خاصّة: وهي الهجرة من مكة إلى المدينة، فلا تشمل هجرةَ مَن هاجر من المسلمين إلى بلاد الحبشة لأنّها لم تكن على نية الاستيطان بل كانت هجرة مؤقته، وتقدّم ذكر الهجرة في آخر سورة الأنفال.

والمفضل عليه محذوف لظهوره: أي أعظم درجة عند الله من أصحاب السقاية والعمارة الذين آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا الجهاد الكثير الذي جاهده المسلمون أيام بقاء أولئك في الكفر، والمقصود تفضيل خصالهم.

والدرجة تقدّمت عند قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} في سورة البقرة (228). وقوله: {لهم درجات عند ربّهم} في أوائل الأنفال (4). وهي في كلّ ذلك مستعارة لرفع المقدار. و {عند الله} إشارة إلى أنّ رفعة مقدارهم رفعة رضى من الله وتفضيل بالتشريف، لأنّ أصل (عند) أنّها ظرف للقرب.

وجملة {وأولئك هم الفائزون} معطوفة على {أعظم درجة} أي: أعظم وهم أصحاب الفوز. وتعريف المسند باللام مفيد للقصر، وهو قصر ادّعائي للمبالغة في عظم فوزهم حتّى إن فوز غيرهم بالنسبة إلى فوزهم يُعَدّ كالمعدوم.

والإتيان باسم الإشارة للتنبيه على أنّهم استحقوا الفوز لأجل تلك الأوصاف التي ميزّتهم: وهي الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وهذه الدرجة العظيمة التي لا تفضل عنها درجة قط؛ لأنهم كانوا في أوصاف عالية تجعلهم رجال الله ورجا ل الحق – أولها – أنهم آمنوا، والإيمان في وسط الشرك الغامر والوثنية الغالبة في جهاد النفس، ومغالبة الباطل، ونور العقل، ومقاومة الجاهلية وعصبيتها، وطغيانها، وشرورها وآثامها، ومع ذلك كله تكون رفعة الدرجة، إذ بمقدار تلك المغالبة النفسية يكون علو الدرجة.

والوصف الثاني – أنهم هاجروا، إذ إن ذلك الوصف يتضمن نداء الإيمان بالرضا بترك الأهل وصرم القرابة والدعة والراحة، وتحمل الأذى، والخروج بالإيمان نقيا طاهرا من أرجاس الجاهلية وعصبيتها، والخروج من جو الجاهلية المعتكر بالعصبية والضلال إلى جو النور والإيمان.

والوصف الثالث – أنهم جاهدوا في سبيل الله، أي طريق الله الحق بأموالهم وأنفسهم، فلم يكن إيمانهم سلبيا بل كان إيمانا إيجابيا، آمنوا بالحق، وضحوا في سبيله بالأهل والولد، ثم دعوا إليه محاربين الباطل، جاهدوا أنفسهم أولا بتخليصها من أدران الشرك وأوهامه، وصابروا على الأذى بعد أن صبروا عليه وقدموا أموالهم مجاهدين

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

أولئك {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} من كل النماذج الأخرى التي قد تعمل الخير في المجالات المحدودة {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} برحمته ورضوانه وجنته...