تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

{ 61 - 68 } { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا }

إلى آخر قصتهم{[432]} ، أي : { و } أرسلنا { إِلَى ثَمُودَ } وهم : عاد الثانية ، المعروفون ، الذين يسكنون الحجر ، ووادي القرى ، { أَخَاهُمْ } في النسب { صَالِحًا } عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، ف { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ } أي : وحدوه ، وأخلصوا له الدين { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } لا من أهل السماء ، ولا من أهل الأرض .

{ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ } أي : خلقكم فيها { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : استخلفكم فيها ، وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة ، ومكنكم في الأرض ، تبنون ، وتغرسون ، وتزرعون ، وتحرثون ما شئتم ، وتنتفعون بمنافعها ، وتستغلون مصالحها ، فكما أنه لا شريك له في جميع ذلك ، فلا تشركوا به في عبادته .

{ فَاسْتَغْفِرُوهُ } مما صدر منكم ، من الكفر ، والشرك ، والمعاصي ، وأقلعوا عنها ، { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } أي : ارجعوا إليه بالتوبة النصوح ، والإنابة ، { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } أي : قريب ممن دعاه دعاء مسألة ، أو دعاء عبادة ، يجيبه بإعطائه سؤله ، وقبول عبادته ، وإثابته عليها ، أجل الثواب ، واعلم أن قربه تعالى نوعان : عام ، وخاص ، فالقرب العام : قربه بعلمه ، من جميع الخلق ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } والقرب الخاص : قربه من عابديه ، وسائليه ، ومحبيه ، وهو المذكور في قوله تعالى { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }

وفي هذه الآية ، وفي قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } وهذا النوع ، قرب يقتضي إلطافه تعالى ، وإجابته لدعواتهم ، وتحقيقه لمراداتهم ، ولهذا يقرن ، باسمه " القريب " اسمه " المجيب "

فلما أمرهم نبيهم صالح عليه السلام ، ورغبهم في الإخلاص لله وحده ، ردوا عليه دعوته ، وقابلوه أشنع المقابلة .


[432]:- في ب: ذكر الآيات كاملة إلى قوله تعالى: " ألا بعدا لثمود ".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

التقدير : وأرسلنا إلى ثمود وقد تقدم القول في مثل هذا وفي معنى الأخوة في قصة هود .

وقرأ الجمهور : «وإلى ثمودَ » بغير صرف ، وقرأ ابن وثاب والأعمش «وإلى ثمود » بالصرف حيث وقع ، فالأولى على إرادة القبيلة ، والثانية على إرادة الحي ، وفي هذه الألفاظ الدالة على الجموع ما يكثر فيه إرادة الحي كقريش وثقيف وما لا يقال فيه بنو فلان ؛ وفيها ما يكثر فيه إرادة القبيلة كتميم وتغلب ، ألا ترى أنهم يقولون تغلب ابنة وائل ، وقال الطرماح : [ الطويل ]

«إذا نهلت منه تميم وعلّت »{[6398]}*** وقال الآخر : [ المتقارب ]

«تميم ابن مر وأشياعها »*** وفيها ما يكثر فيه الوجهان كثمود وسبأ ، فالقراءتان هنا فصيحتان مستعملتان . وقرأت فرقة «غيرُه » برفع الراء ، وقرأ الكسائي : [ غيره ] بكسر الراء ، وقد تقدم آنفاً{[6399]} .

و { أنشأكم من الأرض } ، أي اخترعكم وأوجدكم ، وذلك باختراع آدم عليه السلام : فكأن إنشاء آدم إنشاء لبنيه . { واستعمركم } ، أي اتخذكم عماراً ، كما تقول : استكتب واستعمل . وذهب قوم إلى أنها من العمر أي عمركم{[6400]} ، وقد تقدم مثل قوله : { فاستغفروه ثم توبوا إليه } .

{ إن ربي قريب مجيب } ، أي إجابته وغفرانه قريب ممن آمن وأناب ، و { مجيب } ، معناه بشرط المشيئة والظاهر الذي حكاه جمهور المفسرين أن


[6398]:- هذا عجز بيت قاله الطرماح من قصيدة يهجو بها الفرزدق، والبيت بتمامه: فخرت بيوم لم يكن لك فخره إذا نهلت منه تميم وعلّت والنّهل: الشرب الأول، يقال: نهل نهلا ومنهلا، والعلل: الشرب الثاني، يقال: شرب عللا بعد نهل، والمعنى على الاستعارة، يريد أن (تميم) أخذت أول المجد وآخره في هذا اليوم الذي لم تنل أنت فيه شيئا ومع ذلك تفخر به.
[6399]:- خلاصة ما تقدم أن الرفع يكون على النعت أو البدل من موضع {من إله}، وأن الجرّ يكون حملا على لفظ (إله) وهو أيضا على النعت أو البدل. على أنه يجوز النصب على الاستثناء كما قال ابن عطية، ولكن لم يذكر أحد أنه قرئ بالنصب.
[6400]:- أي: أطال أعماركم، وهذا هو رأي الضحاك، وقال مجاهد: هي من "العُمرى" فيكون "استعمر" في معنى "أعمر"، والمعنى: أعمركم فيها دياركم ثم هو وارثها منكم، أي: جعلكم معمّرين دياركم فيها لأن من ورّث داره من بعده فإنه أعمره إيّاها، لأنه يسكنها عمره ثم يتركه لغيره. وللعلماء في معنى "العُمرى" آراء كثيرة، أشهرها أنها تمليك لمنافع الرّقبة حياة المعمر مدة عمره، فإن مات المعمر رجعت إلى الذي أعطاها.