تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

{ 33 - 35 } { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ }

{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ } مرض أو خوف من هلاك ونحوه . { دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا اللّه .

{ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً } شفاهم من مرضهم وآمنهم من خوفهم ، { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ } ينقضون تلك الإنابة التي صدرت منهم ويشركون به من لا دفع عنهم ولا أغنى ، ولا أفقر ولا أغنى ،

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

ولما حصل من هذا القطع من كل عاقل أن{[53087]} أكثر الخلق ضال ، فكان الحال جديراً بالسؤال ، عن وجه الخلاص من هذا الضلال ، أشير إليه{[53088]} أنه لزوم الاجتماع ، وبين ذلك في جملة{[53089]} حالية من فاعل " فرحون " فقال تعالى : { وإذا } وكان الأصل : مسهم ، ولكنه قيل لأنه أنسب بمقصود السورة من قصر ذلك على الإنسان كما هي العادة في أكثر السور أو غير ذلك من أنواع العالم{[53090]} : { مس الناس } تقوية لإرادة{[53091]} العموم إشارة إلى كل من فيه أهلية النوس وهو التحرك ، من الحيوانات العجم والجمادات لو نطقت ثم اضطربت لتوجهت إليه سبحانه ولم تعدل عنه كما أنها الآن كذلك بألسنة أحوالها ، فهذا هو الإجماع الذي لا يتصور معه نزاع{[53092]} { ضر دعوا ربهم } أي{[53093]} الذي لم يشاركه{[53094]} في الإحسان إليهم أحد في جميع مدة مسهم بذلك الضر - بما أشار إليه الظرف{[53095]} حال كونهم { منيبين } أي راجعين من جميع ضلالاتهم التي فرقتهم عنه { إليه } علماً منهم بأنه لا فرج لهم عند شيء غيره ، هذا ديدن الكل لا يخرم عنه أحد منهم في وقت من الأوقات ، ولا في {[53096]}أزمة من الأزمات{[53097]} ، قال الرازي في اللوامع في أواخر العنكبوت : وهذا دليل على أن معرفة الرب في فطرة كل إنسان ، وأنهم إن غفلوا في السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء .

ولما كان كل واقع في شدة مستبعداً كل استبعاد الخلاص منها قال : { ثم } بأداة البعد { إذا أذاقهم } مسنداً الرحمة إليه تعظيماً للأدب وإن كان الكل منه{[53098]} . ولما كان السياق كله للتوحيد ، فكانت العناية باستحضار المعبود باسمه وضميره أتم قال : { منه } مقدماً ضميره دالاً بتقديم الجار على الاختصاص وأن ذلك لا يقدر عليه غيره ، وقال : { رحمة } أي خلاصاً من ذلك الضر{[53099]} ، إشارة إلى أنه لو أخذهم بذنوبهم أهلكهم ، فلا{[53100]} سبب لإنعامه سوى كرمه ، ودل على شدة إسراعهم في كفران الإحسان بقوله معبراً بأداة المفاجأة : { إذا فريق منهم } أي طائفة هي{[53101]} أهل لمفارقة{[53102]} الحق { بربهم } أي المحسن إليهم دائماً ، المجدد لهم هذا الإحسان من هذا الضر { يشركون* } بدل{[53103]} ما لزمهم من أنهم يشكرون{[53104]} فعلم أن الحق الذي لا معدل عنه الإنابة{[53105]} في كل حال إليه كما أجمعوا في وقت الشدائد عليه ، وأن غيره مما فرقهم ضلال ، لا يعدله قبالاً ولا ما {[53106]}يعدله{[53107]} قبال .


[53087]:من ظ، وفي الأصل وم: بأن.
[53088]:في ظ وم: إلى.
[53089]:من ظ وم، وفي الأصل: علة.
[53090]:زيد من ظ.
[53091]:من ظ وم، وفي الأصل: لأداة.
[53092]:زيد من ظ.
[53093]:سقط من ظ.
[53094]:في ظ: لم يشرعه، وفي م: لم يشركه.
[53095]:زيد من ظ.
[53096]:من ظ وم، وفي الأصل: زمن من الأزمان.
[53097]:من ظ وم، وفي الأصل: زمن من الأزمان.
[53098]:زيد من ظ.
[53099]:من ظ وم، وفي الأصل: الضراء.
[53100]:في ظ: ولا.
[53101]:زيد من ظ وم.
[53102]:من ظ وم، وفي الأصل: المفارقة.
[53103]:زيد في الأصل: على، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[53104]:من م، وفي الأصل وظ: يشركون.
[53105]:من ظ وم، وفي الأصل: الأبه.
[53106]:من ظ وم، وفي الأصل: يعدل له.
[53107]:من ظ وم، وفي الأصل: يعدل له.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ( 33 ) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 34 ) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ( 35 ) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ( 36 ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

ذلك تعجيب من حال المشركين أولي الهلع والجزع ، الذين يلوذون بالأصنام والآلهة المزيفة المصطنعة فيذعنون لها بالولاء والخضوع والمودة حتى إذا أصابهم البأس أو الشدة من قحط أو مرض أو خوف أو نحو ذلك من وجوه البلاء والكرب ، أنابوا إلى الله خاشعين متضرعين أن يكشف عنهم ما نزل بهم من الضُّر . تلك هي صفة المشركين المكذبين ، أو المرتابين أولي الخور الذين يعبدون الله على حرف ؛ فإنهم لا يتعرَّفون على الله إلا في الشدة وحين اشتداد البأس . لكنهم إذا أضلهم الرخاء والنعيم والسعة نسوا الله وأعرضوا عن دينه وجنحوا للأهواء والشهوات ومالوا إلى الدنيا بملذاتها وحطامها الدارس الداثر ؛ وهو قوله : { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } إذا أصاب هؤلاء المشركين الضُّر أو الشدة ، كالقحوط أو الجدوب جأروا إلى الله بالدعاء { مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } مطيعين له ، مقبلين عليه بقلوبهم ، تائبين راجعين من شركهم إلى إفراده بالعبادة والتوحيد وهم يستغيثونه ويتضرعون إليه ليكشف عنهم الضر النازل بهم { ثُُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً } أي إذا كشف الله عنهم هذا البلاء وأزال عنهم ما أصابهم من الكرب فأبدلهم به رخاء ونعمة وسعة { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } { إذا } الفجائية ؛ أي إذا كشف الله عنهم الضر بادر الذين دعوا الله ، إلى الإشراك به وإلى اتخاذ الأنداد معه والشركاء .