اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

قوله : { وَإِذَا مَسَّ الناس ضُرٌّ } قَحْطٌ وشدّة ، { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } بالدعاء ، لما بين التوحيد بالدليل وبالمثل بين أن لهم حالة يعترفون به{[42057]} ، وإن كانوا ينكرونه{[42058]} في وقت ما وهي حالة الشدة ، { ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً } ، خصْبٌ أو نعمة ، يعني إذا خلصناهم من تلك الشدة { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } ، وقوله : «مِنْهُ » أي من الضر ؛ لأن الرحمة غير مطلقة لهم إنما هي على ذلك الضر وحده ، وأما الضر المؤخر فلا يذوقون منه رحمة ويحتمل أن يكون الضمير في «منه » عائد إلى الله تعالى ، والتقدير ثم إذا أذاقهم اللَّهُ من فضله رحمةً خلصهم بها من ذلك الضر .

قوله : «إذَا فَريقٌ » هذه «إذا » الفُجَائِيَّة ، وَقَعَتْ جَوَابَ الشرطِ ؛ لأنها كالفاء في أنها للتعقيب ولا يقع أول كلام ، وقد تجامعها الفاء زائدةً{[42059]} .

فإن قيل{[42060]} : ما الحكمة في قوله ههنا : { إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ } ، وقال في موضع : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشرِكُونَ } ولم يقل : فَرِيقٌ .

فالجواب : أن المذكور هناك غير معين ، وهو ما يكون من هَوْل البحر ، والتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل ، والذي لا يشرك منهم بعد الخلاص فرقة منهم فهم في غاية القلة ، فلم يجعل المشركين فريقاً لقلة من خرج من الشرك وأما المذكور ههنا الضر مطلقاً فيتناول ضُرَّ البحر والأمراض والأهوال ، والمتخلص من أنواع الضر خلقٌ كثير بل جميع الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما فتخلصوا منه والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركاً من جميع الأنواع إذا جمع فهو خلق عظيم وهو جميع المسلمين فإنهم تخلصوا من ضُرّ ولم يبقوا مشركين ، وأما المسلمون فلم يتخلصوا من ضُرّ البحر بأجمعهم فلما كان الناجي من الضر المؤمن جمعاً كثيراً سمى الباقي فريقاً .


[42057]:في تفسير الفخر الرازي: حالة يعترفون بها.
[42058]:وفيه: ينكرونها.
[42059]:قال في الكتاب 3/63 و 64 "واعلم أنه لا يكون جواب الجزاء إلا بفعل أو بالفاء... وسألت الخليل عن قوله- عز وجل-: "وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون" فقال: هذا كلام معلق بالكلام الأول كما كانت الفاء معلقة بالكلام الأول وهذا ها هنا في موضع قنطوا وما يجعلها في منزلة أنها لا تجيء مبتدأة. وزعم الخليل أن إدخال الفاء على "إذا" قبيح". وقال السّيوطيّ في الهمع 2/60: "وينوب عنها في الأصح إذا الفجائية في جملة اسمية غير طالبة ولا منفية، قال أبو حيان النصوص متضافرة في الكتب على الإطلاق في الربط "بإذا" وإن السماع إنما ورد في إن قال تعالى: "وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون" فيحتاج في إثبات ذلك في غير "إن" من الأدوات إلى سماع". وللأخفش رأي هنا في هذه الآية يقول في المعاني:" إذا هم يقنطون" هو الجواب؛ لأن "إذا" معلقة بالكلام الأول بمنزلة الفاء. انظر: معاني القرآن للأخفش 2/657.
[42060]:انظر: التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي 25/122.