فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنۡهُ رَحۡمَةً إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ} (33)

{ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون33ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون34أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون35 وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون36 أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون 37 }

من الناس شكور ومنهم كفور ، وأهل الكفران أهل جحود ونكران ، فهم إذا لحقهم هزال أو سوء حال ، أو أذى أو ضيق وشدة ، أو نقص في الأموال دعوا الله مخلصين ، وعاهدوه إن نعمهم أن يكونوا من الصالحين ، فإذا رحمهم وكشف ضرهم سارعوا إلى ضلالهم القديم ، ونسبوا ما آتاهم الله من فضله إلى معبوداتهم الباطلة ، من أصنام وكواكب وأنواء ، أو وهم وغرور وأهواء ، كالذين حدثنا القرآن الكريم عن مكرهم في حجج ربنا وبرهانه ، ومسارعتهم في جحود ما آتاهم من فيضه وإحسانه ، جاء في سورة يونس : ( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون . هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين . فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق . . . . ){[3344]} مما أورد الألوسي : { منيبين إليه } راجعين إليه تعالى من دعاء غيره عز وجل من الأصنام وغيرها . . وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك ، وتنكير : { ضر } و{ رحمة } للتقليل ، إشارة إلى أنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة ، ويطغون لأدنى نعمة . اه .

-لما بين التوحيد بالدلائل وبالمثل بين أنه أمر وجداني يعرفونه في حال الضر والبلاء وإن كانوا ينكرونه في حال الرحمة والرخاء . . وإنما قال : { إذا فريق منهم } ولم يقل : )إذا هم يشركون )كما في آخر العنكبوت ، لأن الكلام هناك مع أهل الشرك ، وههنا مع الناس كلهم ، وليس كل الناس كذلك-{[3345]}


[3344]:من سورة يونس .الآيات : 21 -22 ومن الآية 23.
[3345]:ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري.